حمود أبو طالب

أقر مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة نظام مكافحة جرائم غسيل الأموال الذي حدد الأطر العامة وتعريف تلك الجرائم وتضمن عقوبات شديدة تصل إلى السجن 15 عاما وغرامة 50 مليونا، وتزيد هذه العقوبة إذا تورطت فيها شخصيات اعتبارية، فهل جاء النظام في وقته أم أنه تأخر ولم يأت صدوره إلا بعد أن فاحت الروائح الكريهة واتضحت حقيقة الأشباح التي كانت تمارس جرائمها في الخفاء؟ من خصوصيات مجتمعنا الطيبة والضارة في آن ثقته وتصديقه لكل من أثرى أو دخل عالم الأعمال وعلق لوحة على جبينه تقول «هذا من فضل ربي»، هذه اللوحة تقطع التساؤلات حول حقيقة أموال ذلك الشخص وحقيقة نشاطه، لأن الكثيرين يعتبرون السؤال اعتراضا أو عدم إيمان بأن الله يرزق بفضله من يشاء. وإلى وقت قريب جدا لم تكن الأكثرية لدينا تعرف شيئا عن مصطلح غسيل الأموال، وأتذكر شخصا وجه سؤالا ذات مرة لشيخ يقدم برنامجا تلفزيونيا عن معنى غسيل الأموال فأجابه إجابة عجيبة فحواها أن هذا المصطلح الغربي لا وجود له في مجتمعنا المسلم، هكذا وبكل بساطة وسذاجة.

إن المتوقع أن تكون قد تمت عمليات غسيل أموال خطيرة وكبيرة لدينا، حالنا حال الآخرين، فهناك نشاطات محظورة ومشبوهة كثيرة تنتهي بتصريف أموالها في قنوات مشروعة، وهي نشاطات لا تقتصر فقط على التجارة المحرمة كالمخدرات وتجارة البشر وما في حكمها، ولكنها تمتد إلى السرقات والرشاوى والمخالفات المالية وجباية الأموال تحت غطاء العمل الخيري أيا كان نوعه، وكثير غير ذلك مما لا يمكن حصره هنا، ولكن بعد تطور إجراءات المراقبة على حركة الأموال، خصوصا بعد انفجار موجة الإرهاب، اتضحت كثير من الجرائم الناعمة في ظاهرها والخطيرة في حقيقتها، لذلك كان لا بد من وضع اليد على الغسيل القذر ومصادرته ومعاقبة مرتكبيه من خلال نظام تأخر لكنه وصل أخيرا.