هوشنك أوسي

فور إتمام الاحتلال الإيراني لمحافظة كركوك، وقبل أن يظهر رئيس الحكومة الإيرانيّة في بغداد، حيدر العبادي، كي يقرأ خطاب «النصر الإلهي» الذي حققته «حكومته» على أبناء الشعب العراقي من الأرومة الكرديّة (على طريقة حسن نصرالله في أحداث 7 أيار/مايو 2008 واحتلال بيروت)، ظهر شخص آخر من الحشد «الشعبي» الشيعي، في مبنى محافظة كركوك، يعلن انتصار قاسم سليماني، وانتصار نظام خامنئي على الكرد، ويشتمهم ويشتم رئيس إقليم كردستان العراق، ويسخر منهم، ويطعن في شرفهم وعرضهم وكرامتهم، ويشير بأصابعه إلى صور الخميني وخامنئي الموجودة في مبنى المحافظة، قائلاً إنهم خلعوا صور وشعارات وأعلام الكرد ووضعوا مكانها صور خامنئي والخميني وأعلام الحشد «الشعبي» الطائفيّة. 

وبعد انتشار هذا الفيديو الفاضح لحقيقة الاحتلال الإيراني لكركوك، سارع حيدر العبادي إلى نفي وجود هذا الشخص، وأن الفيديو مفبرك، والهدف منه إثارة الفتنة! وحُذف الفيديو بعد شيوعه. ولكن ظهر «المجاهد» حسن بلايز في فيديوات أخرى، مكذّباً العبادي في شكل غير مباشر، كما يهدد أردوغان ويتوعّده. كذلك ظهرت له فيديوات سابقة، وصور تجمعه بالإرهابي المقرّب من إيران أبو مهدي المهندس، نائب رئيس الحشد الشعبي، الذي نُقِلَت عنه تصريحات بأنه «جندي في خدمة خامنئي».

وعليه، فظهور حقيقة بلايز، زد على كونها فضحت العبادي وأظهرت هشاشة موقفه، كشفت حقيقة الجيش العراقي الذي يديره هادي العامري، زعيم «فليق بدر» الشيعي، وقيس الخزعلي، زعيم «عصائب أهل الحقّ» الشيعيّة. كما أظهرت أن من يقود العراق، هم أشخاص من طينة «المجاهد» الخميني حسن بلايز، وليس العبادي والمالكي والحكيم وفؤاد معصوم وآلاء طالباني وهيرو ابراهيم احمد!

الحقّ أن مسؤول علاقات «حركة أنصار الله الأوفياء في العراق»، وهي أحد فصائل الحشد الشعبي، «المجاهد» حسن بلايز، كما يصف نفسه في فيديواته، هو الأنموذج الأكثر وضوحاً وصراحةً وشفافيةً وجرأةً، وربما طهارةً أيضاً، بين النخب السياسيّة والعسكريّة الحاكمة في عراق ما بعد 2003. ذلك أن بلايز كان واضحاً تماماً لجهة الكشف عن هويّته الطائفيّة والقوميّة، وتبعيّته العقائديّة الخمينيّة، أثناء تعبيره عن فرحته باستقدام الاحتلال الإيراني لكركوك، وعن موقفه الحقيقي من كرد وكردستان العراق، بالضدّ من مستنقعات الرياء والدجل لدى المؤتمرين بأمر قاسم سليماني، أثناء نفيهم خضوع العراق للاحتلال الإيراني. وهكذا يبقى بلايز الأنموذج الأفضل والأكثر نصاعة وشفافيّة في عراق قاسم سليماني.

أما النغمة الشائعة الآن التي تركّز على نقد مسعود بارزاني وسعيه الاستقلالي وعناده على إجراء الاستفتاء، فتتعامى تماماً عن الدور العدواني الإيراني البشع الذي ابتلع العراق، ويريد ابتلاع الشرق الأوسط. ويبدو أن ثمّة محاولة واضحة وفاضحة لكسر رمز كردي عراقي، «الجريمة» التي اقترفها أنه قال: لا لإيران وتركيا. والمنطق هذا يحوّل الكثيرين في العالم العربي إلى حسن بلايز، ولو بنسب متفاوتة، وكلٌّ على طريقته. لكن الجوهر في النهاية واحد: قومي وطائفي، يتدثّر بلبوس الحرص على الكرد تارة، وعلى وحدة العراق تارة أخرى، وعلى أمن وسلامة بلدان الشرق الأوسط والأدنى والأقصى، بل العالم، من أخطار قيام الدولة الكرديّة تارةً ثالثة!

وهكذا ثمة سعي محموم ومتهافت إلى إدانة الضحيّة، وغسل أيدي الجلّاد من الدماء! وربما كان من محاسن الاحتلال الإيراني لكركوك، إذا كانت له محاسن، أنه لم يُسقط فقط الأقنعة عن وجوه هؤلاء، بل أسقط أيضاً أكذوبة وأهزوجة الدعم الإسرائيلي لكرد العراق، ليظهر أن تل أبيب وواشنطن صامتتان أمام إمساك طهران بخناق دمشق وبغداد وبيروت!


* كاتب كردي سوري