فاتح عبد السلام

حين‭ ‬انتهت‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬،‭ ‬خاطب‭ ‬أحد‭ ‬السياسيين‭ ‬الجنرال‭ ‬ديغول‭ ‬قائلاً‭ : ‬الآن‭ ‬تحررت‭ ‬باريس‭ ‬ماذا‭ ‬ستفعل‭ ‬المقاومة‭ ‬الفرنسية‭ ‬اليوم‭ .‬

‭ ‬أجاب‭ ‬ديغول‭ : ‬ستظل‭ ‬تقاوم‭ ‬هذا‭ ‬الخراب‭ ‬الذي‭ ‬خلفته‭ ‬الحرب‭ ‬حتى‭ ‬يعود‭ ‬إعماراً‭ .‬

‭ ‬في‭ ‬بلدنا‭ ‬،‭ ‬المقاربات‭ ‬تختلف‭ ‬،‭ ‬والمفاهيم‭ ‬غالباً‭ ‬ماتكون‭ ‬مصنوعة‭ ‬في‭ ‬مطابخ‭ ‬الآخرين‭ .‬

‭ ‬مهما‭ ‬لففنا‭ ‬ودرنا‭ ‬،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬منطق‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬مساراً‭ ‬متقدماً‭ ‬من‭ ‬مسارات‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬،‭ ‬ليس‭ ‬لذنب‭ ‬العراقيين‭ ‬وحدهم‭ ‬،‭ ‬ذلك‭ ‬إنّ‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬من‭ ‬حولهم‭ ‬لايزال‭ ‬يقرن‭ ‬بين‭ ‬قوة‭ ‬النار‭ ‬وقوة‭ ‬الحوار‭ .‬

هذه‭ ‬ليست‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬أو‭ ‬الاخيرة‭ ‬التي‭ ‬يتقدم‭ ‬المشهد‭ ‬العسكري‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ . ‬

إذا‭ ‬تابعنا‭ ‬المشهد‭ ‬منذ‭ ‬احتلال‭ ‬بغداد‭ ‬من‭ ‬الامريكان‭ ‬عام‭ ‬‮٢٠٠٣‬‭ ‬نجد‭ ‬أنّ‭ ‬المرحلة‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬ابتدأت‭ ‬بالقتال‭ ‬واتجاه‭ ‬كل‭ ‬العراقيين‭ ‬للسلاح‭ ‬،‭ ‬بين‭ ‬مليشيات‭ ‬تابعة‭ ‬للأحزاب‭ ‬نظمها‭ ‬الحاكم‭ ‬المدني‭ ‬الامريكي‭ ‬بتشريع‭ ‬خاص‭ ‬سمح‭ ‬لأحد‭ ‬عشر‭ ‬مليشيا‭ ‬بالعمل‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وبين‭ ‬فصائل‭ ‬مقاومة‭ ‬للاحتلال،وقسم‭ ‬منها‭ ‬جرى‭ ‬ابتلاعه‭ ‬من‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬واختنق‭ ‬والقسم‭ ‬الأخر‭ ‬أخرجه‭ ‬لاحقاً‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬من‭ ‬الميدان،‭ ‬فقدم‭ ‬التنظيم‭ ‬خدمة‭ ‬للمستفيد‭ ‬من‭ ‬الغاء‭ ‬أسماء‭ ‬ومسميات‭ ‬وظهور‭ ‬أخرى‭ ‬بديلة‭ ‬أو‭ ‬مناقضة‭.‬

ازاء‭ ‬ذلك‭ ‬،‭ ‬كانت‭ ‬تبرز‭ ‬بين‭ ‬فينة‭ ‬وأخرى،‭ ‬مقولة‭ ‬استهلاكية‭ ‬شعارية‭ ‬،لا‭ ‬أحد‭ ‬يعلم‭ ‬متى‭ ‬تظهر‭ ‬ومتى‭ ‬تختفي،‭ ‬هي‭ ‬إنّ‭ ‬السلاح‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بيد‭ ‬الدولة‭ ‬حصراً‭. ‬يطرب‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬لهذا‭ ‬الشعار،‭ ‬وآخرون‭ ‬يصدقونه‭ ‬ويمشون‭ ‬خلفه‭ ‬،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصطدموا‭ ‬بحاجز‭ ‬عنوانه‭ ‬العملي‭ ‬هو‭ ‬السلاح‭ ‬للجهة‭ ‬الأكثر‭ ‬نفوذاً‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬تحت‭ ‬شتى‭ ‬التبريرات‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬ادخال‭ ‬المقدّس‭ ‬في‭ ‬المدنّس‭ .‬

الى‭ ‬متى‭ ‬سيظل‭ ‬حكّام‭ ‬العراق‭ ‬يفكرون‭ ‬بالحاجة‭ ‬الى‭ ‬الدبابة‭ ‬والمدفع‭ ‬والطائرة‭ ‬الحربية‭ ‬،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يلتفتوا‭ ‬الى‭ ‬الشروع‭ ‬بخطة‭ ‬للنهوض‭ ‬تستلهم‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬دمرتها‭ ‬الحروب‭ ‬دروساً‭ ‬وأمثلة‭ ‬حية‭ ‬لتحقيق‭ ‬منجز‭ ‬للاجيال‭ .‬

العراق‭ ‬يحتاج‭ ‬الى‭ ‬قادة‭ ‬جدد‭ ‬حقاً‭ ‬ليس‭ ‬بمعنى‭ ‬أشخاص‭ ‬جدد‭ ‬وإنما‭ ‬مفهوم‭ ‬مدني‭ ‬مستقر‭ ‬وتنموي‭ ‬ونهضوي‭ ‬للقيادة‭ ‬استناداً‭ ‬الى‭ ‬معطيات‭ ‬ثروات‭ ‬العراق‭ ‬البشرية‭ ‬ثم‭ ‬الطبيعية‭ . ‬فالعراق‭ ‬،‭ ‬ليس‭ ‬كما‭ ‬يهينونه‭ ‬أو‭ ‬يذبحونه‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬،‭ ‬العراق‭ ‬ليس‭ ‬نفطاً‭ ‬فحسب‭ .‬

لابد‭ ‬إن‭ ‬يتحرك‭ ‬عقلنا‭ ‬خارج‭ ‬مديات‭ ‬المدخول‭ ‬المقرر‭ ‬من‭ ‬النفط‭ . ‬ألا‭ ‬يكفي‭ ‬أنّ‭ ‬النفط‭ ‬جّمد‭ ‬عقولنا‭ ‬وفتح‭ ‬أبواب‭ ‬بلدنا‭ ‬لأطماع‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬والصغرى‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬يأتي‭ ‬الآن‭ ‬دور‭ ‬أن‭ ‬نتقاتل‭ ‬داخلياً‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬؟