سمير عطا الله

 قال قريب عائد من كندا «إن السفر أصبح متعباً». وقد أصبحت هذه الشكوى عادة المسافرين، لكن القريب العزيز شاب نسبياً، فهل صار السفر متعباً للشبان أيضاً؟ طوابير طويلة أمام مكتب الطيران، وأمام الجوازات، وفي التفتيش، ثم أمام بوابة الرحلة. وقبل الوصول إلى بوابة الرحلة، يجب أن تستقل قطاراً داخلياً، برفقه طوابير أخرى!

ما الذي غيَّر طريقة السفر؟ في البداية، الحروب. والآن، الإرهاب. كل مسافر مشتبه به. وكان عليك أن تخلع سترتك عند التفتيش. والآن، عليك أن تخلع حذاءك وتنزع حزامك، وإذا كان سروالك واسعاً قليلاً عند الخصر، عليك أن ترفعه بيديك لكي لا يتحول المشهد إلى مضحكة لمئات الناس.
كيف غيرت الحروب السفر؟ كان العالم آمناً قبل 1914. وقال المؤرخ أ. ح. ب. تايلور إنه «حتى أغسطس (آب) 1914، كان في إمكان أي إنجليزي عادي أن يمضي العمر كله من دون أن يلاحظ وجود الدولة إلا في بزة رجال الشرطة وساعي البريد. كان في إمكانه أن يعيش حيث يريد، وكما يريد، من دون أن يحمل هوية أو رقماً رسمياً. وكان في إمكانه أن يسافر إلى الخارج من دون جواز سفر أو أي وثيقة أخرى. وكان في إمكانه استبدال نقوده إلى أية عملة أخرى دون أي قيود». أما المؤرخ الفرنسي أندريه سيغفريد، فكان يقول إنه «قبل الحرب، كان في إمكانك أن تجوب العالم وليس معك سوى بطاقة الزيارة».
تغير كل شيء بعد 1914، صار العالم عدو بعضه البعض، ولم يعد أحد يثق بأحد. ثم جاءت الحرب الثانية. وبعد سلام قصير، دخل الإرهاب على السفر، والمؤسف أن أكثره كان عربياً. وبصرف النظر عن الجواز الذي تحمله، فإن اسمك ومكان ولادتك يلقيان الشبهة عليك، أو هذا ما تعتقد. غير أنني ألاحظ أن الأوروبيين «الواضحين» أو «الأهليين» يخضعون لتدقيق مماثل، وتُخلع أحذيتهم، وتُنزع أحزمتهم، ويذلّ فيهم أي شعور بالبراءة وحفظ الخلق والقانون.
ويعرف عن المطارات الأميركية أنها الأكثر إذلالاً للقادمين، فموظف الاستقبال مثل قاضي التحقيق. لكن أنت وحظك ومزاج صاحب السعادة، فقد يكون أحياناً ودوداً، بحيث تعتقد أنك هبطت في المطار الغلط.