ملامح الصحافة الفرنسية: مرونة ماكرون وخشونة ترامب.. في مواجهة تحدي الإرهاب

حسن ولد المختار

لوفيغارو

في صحيفة لوفيغارو نشر الكاتب اليميني إيفان ريوفول مقالاً بعنوان: «الإرهاب: ترامب أكثر وضوحاً من ماكرون»، أورد في بدايته نص تغريدة حازمة نشرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على موقع تويتر، يوم الأربعاء الماضي مباشرة بعد وقوع الهجوم الإرهابي قرب مركز التجارة العالمي في نيويورك، حيث دهس مهاجر أوزبكي بعربة نقل جمهوراً من المارة، مما أدى لمقتل 8 أشخاص، وجرح 11 آخرين، قبل أن يتعرض هو نفسه للإصابة على أيدي أفراد الشرطة. وأبرَز الكاتب هنا بشكل خاص تأكيد الرئيس ترامب على قراره بتشديد تدابير الرقابة الصارمة، وأنه «يتعين علينا ألا نسمح لداعش بالمجيء أو الدخول إلى بلدنا، بعد هزيمته في الشرق الأوسط، وأماكن أخرى». وعلى العكس، يقول الكاتب، تنتهج فرنسا سياسة مختلفة تماماً يتبعها الرئيس إيمانويل ماكرون. وهي سياسة غير ملائمة وغير كافية على الأقل. فعلى رغم تعرض البلاد لهجمات إرهابية متعددة كان آخرها قتل الفتاتين لورا وموران في مرسيليا مؤخراً، وهما آخر ضحايا الاستهدافات الإرهابية لفرنسا، فقد اتخذت الحكومة قراراً برفع حالة الطوارئ اعتباراً من اليوم الأول من شهر نوفمبر الجاري. ومع أن القانون الجديد المتعلق بمكافحة الإرهاب، الذي نشر يوم الثلاثاء الماضي، حمل دون شك تدابير مهمة لتوفير حماية للفرنسيين من هذا الخطر الجارف، إلا أن هذه التدابير تبقى أيضاً غير كافية لوحدها، وهي أقل بكثير من تلك التي تتيحها حالة الطوارئ. وقد ظلت حالة الطوارئ سارية منذ شهر نوفمبر 2015.

وعن موقف ماكرون وسياسته قال الكاتب إن خطابه في جامعة السوربون في أواخر شهر سبتمبر الماضي كان كاشفاً لرؤيته ومقاربته، حيث قدم نفسه باعتباره محامي استقبال اللاجئين والمهاجرين، إذ قال: «إن إيجاد مكان للاجئين هو واجبنا الجمعي المشترك»، ولا يروق هذا الطرح بطبيعة الحال للكاتب الذي يرى أن الرئيس الفرنسي لم يكشف على أي معيار، ووفق أية ضوابط يمكن أن نمنح حق اللجوء. ولذا فإن الموقف السياسي الصحيح هو ذلك الذي اتخذه الرئيس الأميركي، بصراحته ووضوحه في الإعلان عن مواقفه الصارمة الحازمة. بل إن تحدي التطرف أشد في فرنسا وقد كشف وزير الداخلية يوم الاثنين الماضي أن 11 مسجداً فقط للمتشددين هي التي تم إغلاقها، في حين أن في فرنسا مئات منها. كما أكد أيضاً أن الـ 250 جهاديا الذين عادوا إلى فرنسا بعد هزيمتهم في العراق وسوريا، تم إطلاق سراح 110 منهم، حتى لو كانوا ما زالوا محل متابعة من الإدارة العامة للأمن الداخلي. وفي الأخير عبّر الكاتب عن خشيته من أن يدفع أنصار حقوق الإنسان لإعادة المزيد من هؤلاء المقاتلين المتشددين، هذا في حين أنهم هم لا يقيمون أصلاً اعتباراً لحقوق الإنسان من الأساس. وقد كشفت تداعيات قضية محمد مراح التي عرف هذا الأسبوع آخر مداولاتها عن حجم خطر المجتمع- المضاد المتشدد، المعشش في الكثير من الضواحي الفرنسية. ولذا، وعلى عكس ما يقول ماكرون، فليست الأزمات الاجتماعية، ولا الاحترار المناخي العالمي، هما ما يؤجج الإرهاب، وإنما تؤججه كراهية المتطرفين لفرنسا والغرب. وهذا ما فهمه ترامب مُحقاً، يقول الكاتب.

ليبراسيون

في افتتاحية بعنوان: «ضعف» في صحيفة ليبراسيون، اليسارية، قال الكاتب لوران جوفرين إن هجوم نيويورك الأخير أظهر مرة أخرى مدى التعصب اللاإنساني للمتأثرين بأفكار «داعش»، بقدر ما أظهر أيضاً بعض نقاط ضعف المجتمعات الحرة في معركتها المريرة ضد الإرهاب. ويعتقد الرئيس ترامب أنه بإغلاقه الحدود، بشكل أكثر إحكاماً، سيتمكن من الحد من احتمال وقوع مثل هذه الهجمات. ولكن منفذ الهجوم الأخير في مانهاتن، كان في الولايات المتحدة منذ عام 2010، هذا فضلاً عن كون بلاده الأصلية، أوزبكستان، ليست أيضاً مدرجة على قائمة الدول محل الاشتباه التي وضعتها إدارة ترامب. وفوق هذا فطرح ترامب أيضاً ليس محل إجماع، فليس بالضرورة أن يؤدي الحد من الحريات العامة إلى الحد من الهجمات الإرهابية. بل إن الطريقة الأكثر فعالية لمواجهة الإرهاب ومنع وقوع هجمات عنيفة هي اتباع الوسائل القانونية من خلال أجهزة الاستخبارات والشرطة وغير ذلك من جهات إنفاذ القانون. وكدلك فالحالة الفرنسية تظهر أيضاً أن اتباع التدابير القصوى من حالات الطوارئ ليس كافياً وحده لمنع وقوع أعمال إرهابية، فقد اتبعت تلك التدابير في فرنسا منذ عام 2013 ولم ترفع حتى يوم 1 نوفمبر الجاري، ومع ذلك شهدت البلاد بعض أكثر الهجمات الإرهابية صخباً وعنفاً في تاريخها، خلال هذه الفترة نفسها.

وفي هذا السياق لا يخلو من معنى ما صرح به جاك توبون، المدافع عن حقوق الإنسان، والذي شغل أيضاً من قبل منصب وزير العدل في عهد الرئيس الأسبق جاك شيراك، حيث قال: «إن الغالبية العظمى من الهجمات التي تم إفشالها، جرى ذلك بفعالية من خلال الطرق القانونية الكلاسيكية». وهذا يعني، استطراداً، أن ضرورة توفير كافة أسباب الأمان العام مع أنها مطلب اجتماعي أساسي، إلا أنها لا تتعارض أيضاً بالضرورة مع ضرورة الدفاع عن دولة القانون والحريات العامة.

لوموند

«دونالد ترامب، رئيس تحت المراقبة» كان هذا عنوان افتتاحية لصحيفة لوموند خصصتها للحديث عن التداعيات المحتملة للتحقيق مع ثلاثة من مستشاري ترامب عندما كان مترشحاً في الانتخابات الرئاسية العام الماضي، وذلك حول شبهات تنسيق مع الروس لاستهداف منافسته المترشحة السابقة هيلاري كلينتون. وفي التفاصيل قالت الصحيفة إن التحقيق الجاري الآن مع المستشارين الثلاثة وهم بول مانفورت، وريتشارد غيت، وجورج بابادوبولوس، من شأنه إثارة انزعاج وقلق الرئيس الأميركي، وخاصة ما يتعلق منه بهذا الأخير بابادوبولوس الذي عمل معه حينها كمستشار مكلف بالشؤون الدولية، حيث يتردد أنه يتعاون الآن مع المحققين. وهذا يدعو للاعتقاد أن المحقق الخاص في القضية روبرت مويلر، ربما أمسك الآن بداية خيط يمكنه تتبعه خلال تحقيقاته بشأن شبهات التدخل الروسي المفترض في التأثير على نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية العام الماضي. ويتوقع أن تستمر هذه التحقيقات الماراثونية لفترة طويلة تمتد على طول زمن ولاية ترامب الرئاسية كلها.

وقالت الصحيفة إنه بغض النظر عما ستؤدي إليه هذه التحقيقات فقد أثرت بشكل سلبي على هوامش تحرك إدارة ترامب في تحسين العلاقات مع روسيا، وخاصة أن الرئيس نفسه كان قد وضع هذا الهدف ضمن أهداف حملته الانتخابية. ولذا فهو يجد نفسه الآن مضطراً للتعامل مع هذا الملف بقدر غير قليل من الحذر، لشعوره بأن تحركات إدارته تجاه الروس واقعة تحت مراقبة حثيثة، وهو ما يصيب العلاقات بين موسكو وواشنطن بحالة شلل وبرود، وعدم قابلية للتحسين والتسخين في الأفق المنظور.