عكست الحركة السياسية باتجاه «دار الفتوى» خلال اليومين الماضيين، بعد استقالة الرئيس سعد الحريري، دوراً لافتاً للدار ضمن المساعي اللبنانية للبحث عن مخارج للأزمة السياسية الراهنة التي دفعت جميع الأطراف للتأكيد على ضرورة الحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، في وقت أكد وزير الخارجية جبران باسيل أن «ما وقع من أخطاء يجب أن يصحح بالتفاهم».
وبموازاة اللقاءات التشاورية التي افتتحها قصر بعبدا، أمس، شهدت «دار الفتوى» لقاءات مماثلة مع شخصيات لبنانية بارزة، أبرزها وزير الخارجية جبران باسيل ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع والرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل، فيما زار الدار السفير الفرنسي في بيروت برونو فوشيه، الذي خرج من دون الإدلاء بأي تصريح.

وقالت مصادر «دار الفتوى» لـ«الشرق الأوسط»، إن الزيارات عكست تأكيداً على وحدة الصف والوحدة الوطنية والتماسك في هذا الظرف، مشددة على أن اللقاءات هدفت للتشاور والتلاقي في هذه الفترة.
وأعرب مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان أمام زواره عن تقديره موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، بالتريث والتروي في معالجة الأزمة التي يمر بها لبنان بعد استقالة الرئيس سعد الحريري، وأمل من جميع القوى السياسية «أن تتحلى بالمزيد من الصبر والحكمة لحل هذه القضية الوطنية».
واستقبل المفتي في دار الفتوى وفدا من «التيار الوطني الحر» برئاسة رئيسه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، الذي قال بعد اللقاء: «من الطبيعي اليوم أن يقوم التيار الوطني الحر من خلال وفد يمثل كل ألوان التيار بزيارة لدار الإفتاء، باعتبار هذه الدار ليست مرجعية روحية فقط، بل مرجعية وطنية بالأداء الذي تقوم به، وهذا ما يجعلنا نرجع إليها في وقت الأزمات، وثانيا لأنه صدر عن هذه الدار أول موقف إعلامي يوم السبت، أشعر اللبنانيين كلهم بأنهم ممثلون من خلاله، عندما عبر عن المفاجأة والصدمة والقلق عند كل اللبنانيين مما حصل، وطرح الأزمات الموجودة التي تشغل بالنا كما هي، من ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، إلى خطورة الوضع الاقتصادي، وموضوع النازحين الذي قدمه بطريقة يتفق عليها كل اللبنانيين، وما شهدناه في اليومين الماضيين».
وأكد باسيل أن «مواقف سماحته تجمع شعور كل اللبنانيين السلبية باعتبار أن ما حصل يشير إلى أننا في أزمة، إلا أن هناك إيجابية واضحة ظهرت، هي أن اللبنانيين اتحدوا جميعا بشكل عفوي جدا، فنحن أمام لحظة وطنية كبيرة، وكلنا نقول إن هذه الأزمة يمكن تحويلها إلى فرصة حقيقية، بتكاتفنا بعضنا مع بعض. اليوم لا فريق أو مكون أو طائفة في أزمة، كل اللبنانيين في أزمة وكلهم مصابون، وأي محاولة لتصوير ما يحصل بأنه يتحقق لحساب أحد على حساب الآخر، نقول إننا كلنا خاسرون من جراء الحاصل، وكلنا سويا سنستعيده بتكاتفنا حتى نخرج منه، اللبنانيون جميعهم يسألون عن الغد».

وشدد باسيل على أن «اللبنانيين يريدون للحال الذي كنا نعيشه معا في المرحلة الأخيرة أن يستمر، وما وقع من أخطاء يجب أن يصحح بالتفاهم»، لافتاً إلى أن التسوية تعني «أن نحل كل شيء بالتفاهم، نحن واعون لما فعلناه وما أنجزناه، واعون نحن ودولة الرئيس الحريري ماذا علينا بعد أن نعمل معا. نعمل معا لنعالج كل ما نحققه بالتفاهم، وكل شيء نذهب إليه بالقسمة ولو ربحناه يكون خسارة، وبهذا التفاهم ننتقل من مرحلة إلى مرحلة لننجز أكثر».
من جهته، قال جعجع: «سررت بلقاء سماحة المفتي، فهو شخصية وطنية كبرى، نتمنى أن يكون الكثيرون مثله في اتزانه ووضوح رؤياه. ولقد تحدثنا مطولا في الأزمة الحالية، وإن شاء الله بالروية والهدوء والعمل الدؤوب نستطيع أن نتخطى هذه الأزمة».

أما الرئيس أمين الجميل فأكد من دار الفتوى أنه «من الضروري أن يتم التشاور في هذا الظرف والتداول أيضا في حل الأزمة الراهنة، وقد بحثنا وحدة الصف اللبناني والحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي». وقال: «من المهم أن نتناول مع سماحة المفتي المخارج لحل الأزمة وبالنسبة له المهم هو وحدة الصف اللبناني والاستقرار. وإذا تضافرت الجهود الطيبة يمكن أن نصل إلى نتائج إيجابية لتخطي هذه الأزمة ومن الطبيعي التريث حتى تنجلي الصورة الضبابية».
وتفعل دور «دار الفتوى» في هذه الأزمة على نحو لافت، وهو ما فسرته مصادر مواكبة لحركة الدار بأنها «جزء من دورها التاريخي والوطني حيث تتحرك الدار في الأزمات الكبرى، وما نشهده هو أزمة كبيرة».
وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن «دار الفتوى» معروفة بدورها الوطني الجامع، وهي «دار واحدة وجامعة لجميع اللبنانيين»، لافتة إلى أن شخصية مفتي الجمهورية الحالية «ساهمت في تكريس هذا الدور، بالنظر إلى حكمته في الأمور الوطنية والدينية».