ياسر الغسلان

هناك سؤال يطرح نفسه عند الحديث عن وصف الأعمال الإرهابية التي تشهدها كثير من دول العالم، وهو: هل وصف الإرهابي يطلق على الشخص الموصوف بالإرهابي بناء على مواصفاته العرقية أو العقائدية، أم بناء على طبيعة الفعل الذي يرتكبه؟ وبالتالي: هل كل من يقوم بعمل يرهب فيه فردا أو جماعة يعدّ إرهابيا بالضرورة، أم يجب أن يكون من يقوم بالعمل الإرهابي منطلقا من قناعات فكرية تسوقه إلى تنفيذ العمليات التي تؤدي إلى القتل كما يقول بعضهم؟
في الولايات المتحدة، هناك حذر كبير -وربما بتوجيه ذاتي- بألا يستخدم وصف إرهابي على أي مجرم أو قاتل جماعي، إن كان من عرقية غير تلك التي توصف بالغالب بالإرهاب، أي «المسلمون أو الشرق أوسطيون»،
فخلال الأشهر القليلة الماضية شهدت الولايات المتحدة الأميركية عددا غير مسبوق من عمليات القتل الجماعي التي أودت بحياة عدد كبير من الضحايا، دون أن نشهد في الإعلام أو خلال تصريحات المسؤولين أي وصف لتلك الأعمال بأنها إرهابية، إلا تلك التي كان منفذها من خلفية «إسلاماوية» أو منضما لجماعات التطرف الديني من أتباع «داعش» أو أخواتها. عمليات القتل الجماعي عندما تصبح لها وتيرة تتزايد فيها الأحداث مع مرور الوقت، فذلك يعني أن هناك مشكلة إرهاب يتم التعامل معها فقط باعتبارها جرائم متفرقة تحركها مشكلات نفسية وينفذها مجرمون مختلون، تماما كما كان يحدث في بعض دولنا في الماضي، من اتهام أي جريمة يقوم بها مواطن أنها الاستثناء، أو أنه مختل ويعاني أمراضا نفسية.
حالة الإنكار هذه -في تقديري- تعيشها أميركا اليوم، خوفا أو هربا من الاعتراف بأن الإرهاب هو الوصف الدقيق للفعل وليس لعرقية الفاعل، وأن من يوصفون بالإرهابيين من المحسوبين على الدين الإسلامي، لا يختلفون عن الإرهابيين الذين تحركهم عقائدهم أو مسبباتهم أو دوافعهم، فالإرهابي هو من يقوم بإرهاب الآمنين في مساجدهم، تماما كما في كنائسهم.
حوادث القتل الجماعي في أميركا منذ عام 1949، بلغت 30 حادثة، منها 18 حالة وقعت خلال السنوات العشر الأخيرة، من أكثرها فتكا وحصدا للأرواح تلك التي وقعت خلال الأيام 37 الماضية، وهو ما تؤكده دراسة لـ»هارفارد»، والتي تبين أنه في الفترة بين 1011 و2014، كان معدل الأيام الفاصلة بين حوادث إطلاق النار الجماعي 64 يوما، بارتفاع لافت عن المعدل البالغ 200 يوم للسنوات الـ29 السابقة، وهو مؤشر أن الداخل الأميركي يعاني بشكل حقيقي من تزايد حالات الترهيب الجماعي، وهو الوصف الذي ذكره لي أحد الأميركان قبل يومين، عندما قال: إنه أصبح يتجنب الوجود في أماكن التجمعات الغفيرة، خوفا من الوقوع ضحية عمل إرهابي، يقوم به إما متطرف إسلامي، أو يميني متعصب، أو مسيحي انتحاري.
إليكم نماذج من التاريخ الحديث لبعض الأحداث والتواريخ لأعمال أرهبت المواطنين في أميركا، والتي لا يمكن وصفها إلا بأنها إرهابية، نظرا لعدد الضحايا. 
ففي عام 1966 قتل 16 شخصا على يد جوزف ويتمان، بعد أن أطلق عليهم النار من أعلى برج في جامعة تكساس، وفي عام 1984 قتل جيمس هوبرتي 21 شخصا في أحد مطاعم ماكدونالد في كاليفورنيا، وفي عام 1986 قتل 14 شخصا في أوكلاهوما عندما قام باتريك شيريل بإطلاق النار عليهم في مقر مكتب البريد الذي كانوا يعملون فيه.
حالة القتل الجماعي التي وقعت قبل أيام في كنيسة في تكساس، هي آخر تلك الحواث التي يرفض الإعلام والسياسي الأميركي وصفها بالإرهاب، في حين كان الوصف مطلقا بشكل شبه فوري على الحادثة التي وقعت قبل أسبوع في نيويورك، عندما قام رجل أوزبكي مسلم بدهس مجموعة من المارة في مدينة نيويورك.
هناك مشكلة تعانيها أميركا بشكل لا يقبل الجدال، فهي ترفض بشكل جمعي الاعتراف بأن الإرهاب ليس صفة مقيتة حصرية لعرق أو دين، كما يُمنّون أنفسهم، بل هو مرض يصيب كل من تطرف في قناعاته، مؤمنا كان أو ملحدا، شرقيا كان أم غربيا. وما دامت أميركا مستمرة في حالة الإنكار الذاتي هذه، فربما لن تتمكن من إيقاف مرض الإرهاب الذي يتسرطن من كل اتجاه، إلا بشكل جزئي!.