يوسف الكويليت

"مال الحكومة حلال" مصطلح تعارف عليه من عمل بوظيفة حكومية أو أهلية ورأى كيف تمتلئ جيوب خاوية حتى أن المرحوم الأمير مساعد بن عبدالرحمن وزير المالية في عهد الملك فيصل -رحمه الله-، هو من استعاد قانون الفاروق عمر بن الخطاب "من أين لك هذا" للحد من الفساد الذي تأسس في وقت سابق رغم مدخولات الحكومة من موارد النفط وغيرها المحدودة حتى أصبح الفساد ظاهرة، تنامت مع السنين لتكون مرضا قاتلا لكل أمل بالإصلاح..

الملك سلمان، الذي يعد صاحب أكبر خبرة في مختلف ظروفنا، والذي دخل معترك الدولة شاباً منطلقاً لأن تكون بلده تحظى بالنزاهة والاحترام، هو من أقدم على أخطر القرارات بمكافحة الفساد يسانده ابن شاب يتطلع لأن يكون حجر الزاوية في الإصلاحات الجذرية بعد زمن تساهلت فيه الإجراءات الحكومية عن وقف نهب المال العام، مما عرضنا، داخلياً، إلى تعميم الإشاعات، وخارجياً إلى حملات مركزة من قبل وسائل إعلام عالمية فتحت ملفات صفقات وهمية ورشاوى وتهريب أموال، وبيع نفط بأسواق سرية لصالح أشخاص متنفذين مما عرض سمعتنا إلى مواقف قللت من هيبة الدولة، ودورها العملي، ثم رأينا كيف عصفت فوضى الثورات العربية بسلطات استسلمت للفساد الإداري والمالي وقمع المواطنين لتصبح تلك الدول في حالة حرب ثارات بدأت بين الأغنياء من رموز الدول والفقراء ليتبعها انفجار ما كان كامناً من صراعات فئوية ومذهبية دينية وطائفية..

تقول بعض الإحصائيات إن ثلث الفاسدين في العالم في منطقتنا العربية، والبقية في العالم الإسلامي مما يؤكد ذلك التخلف الحاد في التنمية والتعليم والقضاء العادل وانتشار المحسوبيات والولاءات، وقد تراكمت المفاسد لدرجة عجزت بعض الدول مقاومة شبكات المنتفعين الذين هيمنوا على مفاصل القوة في تلك الدول..

لا يزعم أحد أننا أكثر فساداً من غيرنا، لكن الاعتراف بالواقع ومعالجة جذور المشاكل، جعلا تلك القرارات تحدثان رد فعل إيجابي على كل المستويات الوطنية لدرجة أن أرقام المتفاعلين مع الموقف شكل حالة غير مسبوقة، بمعنى أن الإطاحة بتلك الرموز بلا استثناء أمير أو وزير وضعنا أمام رؤية شجاعة وقرارات تاريخية، وتجربتنا التاريخية منذ تأسيس تعليم البنات إلى جز الفساد، لا تأتي من خارج الدولة، لأن هيبتها وقيمة وجودها أكد للجميع أنها دائماً تسبق برؤيتها الذين يريدون جذبنا للماضي والوقوف تحت مسمياته وأحكامه..

بلا شك نشهد مرحلة تغيير تتصارع فيها قيم الحاضر مع الماضي، وأنه لابد من وصول أي مسؤول لوظيفة عليا أن يعلن الإقرار بالذمة والكشف عن أمواله، أسوة بكل الدول التي شرعت مبدأ النزاهة كشرط لشرف المهنة، وبلى مواربة، نحن نعيش خطوات التجديد والشفافية وسمو ولي العهد أشعرنا أنه يقود رحلة الألف ميل نحو التحديث والتأصيل في عصر لا يقبل مواكبة المتخلفين..