أحمد عبد التواب

 أثارت تصريحات تيريزا ماى رئيسة وزراء بريطانيا، عن فخر بلادها بوعد بلفور، الدهشة قبل الاستنكار، بما يوحى بأسباب أخرى قوية، تُضاف إلى الحسابات السياسية والاستراتيجية الأساسية، توفر العنصر النفسى للجسارة فى قطع هذا الوعد قبل قرن من الزمان والتمسك به إلى الآن.

وقد كتب لى الدكتور آمون هوتب كامل غبريال، وهو طبيب أشعة ومثقف كبير فى القانون والتاريخ والأدب والفن، عن قصة مطمورة فى خلفيات وعد بلفور، عن خدمة عظيمة قدمها بعض اليهود لبريطانيا فى مجال تطوير السلاح والذخيرة فى الحرب العالمية الأولي، عندما كانت ألمانيا تحتكر صناعة الأسيتون، وهى المادة المشهورة بإزالة المانيكير من أظافر النساء، إلا أنها لدى العسكريين شديدة الأهمية لأنها تدخل فى مادة الكوردايت الرئيسية فى تصنيع المفرقعات. وكانت أزمة بريطانيا وحلفائها آنذاك أنهم يستخدمون طرقاً قديمة فى انتاج الأسيتون من عدة مصادر منها النشا الموجودة فى البطاطس، وهى أساليب لا تنتج إلا كميات ضئيلة وبتكلفة باهظة، أما ألمانيا فكانت لها أساليبها السرية التى توفر إنتاجاً ضخماً يفى باحتياجات جيوشها بما جعلها فى وضعية عسكرية أقوي. 

وفى تفاصيل كثيرة جديرة بالقراءة فى مصادرها التى أشار إليها الدكتور غبريال، عرض رئيس لجنة ذخيرة الحرب لويد جورج هذه المشكلة على صحفى فى جريدة جارديان، الذى نقلها بدوره إلى أستاذ كيمياء مرموق فى جامعة مانشيستر يُدعى وايزمان، الذى كان زعيماً صهيونياً كبيراً، فقام بأبحاث متعمقة حتى توصل إلى الحل بتخمير بذرة الذرة التى تحتوى على نسبة كبيرة من النشا، ولما تعذر استيراد كمية الذرة المطلوبة، كان البديل استخراج الأسيتون من النشا الموجودة فى ثمرة أبو فروة المتوافرة فى جميع أنحاء البلاد. فكان أن قام الجميع بمن فيهم طلاب المدارس بجمع أبو فروة من الحدائق والشوارع حتى تمكنت بريطانيا من الحصول على المطلوب لانتاج المفرقعات، وكان هذا عاملاً حاسماً فى انقلاب الأوضاع العسكرية لمصلحة بريطانيا وحلفائها. 

ورفض وايزمان أى مكافأة شخصية على خدمته الجليلة وطلب مساعدة اليهود فى إقامة دولة لهم فى الأراضى المقدسة.