حسام عيتاني

سيخسر المحامي خالد علي الانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة. وسيفوز الرئيس عبد الفتاح السيسي بأكثرية مريحة تخوله الحكم فترة مقبلة بتكليف شعبي متين. ما من شك في ذلك.

توفر السلطة في بلادنا العربية وفي العالم الثالث المنقوصة الديموقراطية عموماً، امتيازات هائلة لمرشحيها تجعل فوزهم في أي مباريات انتخابية بمثابة تحصيل الحاصل. حتى «الإخوان المسلمون» فازوا في كل الانتخابات والاستفتاءات التي أجريت أثناء حكمهم القصير في مصر.

لكن المسألة ليست في الربح والخسارة، بل في الحملة الانتخابية وفي المناخ الذي يفترض أن تنشئه على الساحة السياسية المصرية. يدرك المحامي المرشح وفريقه أن فرص الفوز شبه معدومة، وإصراره على الترشح كحق دستوري يرمي أولاً إلى التمسك بمعنى لتداول السلطة سلمياً وفي إطار انتخابات عامة، تُطرح خلالها البرامج المتعلقة بالمستقبل بأوجهه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتعيين الوجهة التي يقترح المرشح أن تسير البلاد عليها، بعد الأزمات المعيشية القاسية التي يعاني منها المواطن المصري، حتى باعتراف السيسي ذاته أثناء مؤتمره الصحافي الأخير مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس.

للوهلة الأولى، يبدو الكلام أعلاه بديهياً ومتناسقاً مع مواقف السلطات المصرية. بل أن عليها تشجيع السيد علي على خوض حملة انتخابية مريحة ما دامت تضمن الفوز للأسباب المعروفة. 

بيد أن المفاجئ في سلوك السلطات هو إطلاق حملة إعلامية عبر الوسائل التي تسيطر عليها لتلطيخ سمعة المرشح المستقل وسوق اتهامات ضده تتناوله في مسائل شخصية بعيدة من الموضوع الانتخابي، بهدف جذبه إلى معارك هامشية يضيع فيها المضمون السياسي للترشح وتستهلك جهد فريق خالد علي لتفنيدها ودحضها سواء في الشارع أو الإعلام أو القضاء.

لا تسمح طبيعة العلاقات الكتيمة بين السلطة ووسائل الإعلام في مصر بمعرفة دقيقة حول من أمر بالحملة على خالد علي وإن كانت تترك المجال مفتوحا للتكهنات والاحتمالات ونظريات المؤامرة التي تفاقم الابتعاد عن السياسة والمباراة بين البرامج وتحديد المصلحة العامة، وتدفع في اتجاه الشائعات والأقاويل ونشر الغسيل الوسخ. الممارسات هذه موجودة بل رائجة في كل المناسبات الانتخابية، لكنها ليست البند الأول والوحيد في الاستحقاقات الديموقراطية، أو هكذا ينبغي أن تكون.

المؤشرات الاقتصادية والمالية المصرية والدولية تقول إن الصعوبات التي يعاني منها المواطن المصري والناجمة عن عقود من السياسات الخاطئة، لم تجر مقاربتها بعد مقاربة جذرية على الرغم من بعض التفاؤل في أحياء السياحة أو تحسين مستوى النمو العام. يفترض هذا أن تفتح السلطات المجال أمام نقاش عام يتيح اعتماد علاج مركب وطويل المدى للأزمات الراهنة. ومفهوم أن على المعارضة المشاركة في نقاش كهذا وتعميمه كمهمة وطنية ليست محدودة بطرف واحد. ما يجري هو العكس تماماً.

وإغلاق باب النقد، حتى بحده الأدنى المتناول لمظاهر انتشار الفقر وتدهور القيمة الشرائية عند المواطن المصري، واستخدام الدعاية بصيغتها التحريضية ضد من يجرؤ على الاعتراض أو الانتقاد لا يُظهر حكماً قادراً على معالجة الأزمات الكبيرة التي تشهدها البلاد بمقدار ما يشي برغبة في إسكات الآخرين، مقابل ترك المشكلات تتصاعد من دون القدرة على العلاج. وهذه وصفة جاهزة لزيادة غموض المستقبل.