بيروت: كارولين عاكوم نيويورك: جوردن دقامسة

 

تعالت الدعوات اللبنانية المطالبة بالانتقال من التعامل مع استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري من الشكل إلى مضمونها وأسبابها، وتحديداً للبحث في قضية «حزب الله» وسلاحه ودوره الإقليمي، في وقت لا يزال رئيس الجمهورية ميشال عون يتمسك بموقفه الرافض للبت بالاستقالة قبل عودة الحريري إلى لبنان.

في غضون ذلك، استكمل عون أمس لقاءاته باجتماعات مع السفراء العرب وأعضاء مجموعة الدعم من أجل لبنان في مجلس الأمن، عارضاً موقف لبنان من التطورات الأخيرة، ومنتقداً طريقة استقالة الحريري، بحسب ما أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام»، فيما أعلن المكتب الإعلامي للحريري عن استقباله في منزله في الرياض سفيري إيطاليا وروسيا لدى المملكة العربية السعودية.
وتتّفق مصادر حزب «القوات اللبنانية» الذي التقى رئيسه سمير جعجع في الأيام الأخيرة عدداً من السفراء، مع النائب في «تيار المستقبل» عقاب صقر على تأكيد أن الأزمة اللبنانية لا يمكن أن تحلّ قبل حلّ قضية سلاح «حزب الله» التي تجاوزت لبنان لتصبح إقليمية ودولية. وتقول مصادر «القوات» لـ«الشرق الأوسط»: «هدف الانتظار وعدم البت في الاستقالة هو الهروب إلى الأمام، وشراء الوقت، تحضيراً لخطة يقوم بها الحزب وفريقه في المرحلة المقبلة، بعدما أيقن أن الأمور وصلت إلى نقطة لا عودة عنها، في حين أصبحت الأولوية اليوم للعمل على وقف الأسباب الموجبة لهذه الاستقالة، وتحمل مسؤوليتنا بموضوع يشكّل خطراً على الوضع الإقليمي».

ورغم قناعة المصادر بعدم القدرة على تأليف حكومة جديدة، اعتبرت أنه يفترض على الرئيس عون الدعوة إلى استشارات نيابية يكلّف بموجبها الحريري مرة جديدة للتأليف، ليكون بذلك تقيّد بالإجراءات الدستورية، وبعد ذلك يتم التعامل مع الوقائع كما هي، موضحة: «بات الجميع يعلم أن الخروج من هذا المأزق لن يتحقق إلا بعودة (الحزب) إلى لبنان وتسليم سلاحه، وهو الأمر الذي سيعيق بالتأكيد تأليف الحكومة الجديدة». وفي حين رأت أن أي حوار داخلي في هذا الشأن سيكون من مصلحة لبنان واللبنانيين، لم تنف أن قضية «الحزب» باتت خارج الحدود اللبنانية و«أمراً إقليمياً دولياً».

من جهته، يعتبر النائب صقر «أن استقالة الحريري من رئاسة الحكومة أول الغيث في هذا الصراع بعد التطورات الأخيرة، وما حصل يؤكد أن لا (مساحات رمادية) بعد اليوم، وأن لا مكان لأنصاف الحلول»، ويُشير في تصريح لـ«وكالة الأنباء المركزية» إلى «أن استقالة الحريري تعني الانتقال إلى مرحلة جديدة عنوانها الرئيسي أن لبنان بات منصّة تهديد للأمن الاستراتيجي العربي عبر (حزب الله) الذي بات ذا دور أمني مُهدد في اليمن ضد الأمن القومي السعودي ما خلق مناخاً عربياً يُفيد بأننا كعرب غير قادرين بعد اليوم على تحمّل تبعات أعمال (حزب الله)». من هنا يرى صقر «أن المطلوب ليس تغيير الحكومة، إنما اتّخاذ خطوات عملية في لبنان تصبّ في خانة معالجة سلاح (حزب الله) لجهة تداعياته العربية». ويقترح «الدعوة إلى عقد طاولة حوار سريعة وحصر جدول أعمالها بنقطتين فقط: بحث الاستراتيجية الدفاعية لسلاح (حزب الله) كعامل داخلي، ومدى التأثير السلبي للحزب على الأمن العربي، وكيفية التعاطي معه كلبنانيين بوصفه جزءاً من المكوّنات اللبنانية، وهذا الحوار من شأنه طمأنة المجتمع العربي بأن سلاح الحزب ودوره الإقليمي بات على طاولة البحث»، مضيفاً: «وإذا تعذّر عقد اللقاءات في لبنان لبحث سلاح حزب الله لأسباب أمنية، ربما تُعقد في باريس، والأهم قبل ذلك عدم التلهّي بالصغائر والمكائد الإعلامية الصغيرة التي لا تُغيّر الواقع».

ووفق بيان رئاسة الجمهورية، ذكر أعضاء المجموعة بـ«الاتفاقات الدولية التي ترعى العلاقات مع الدول والحصانات التي توفرها لأركانها». وطمأن السفراء إلى «وعي القيادات اللبنانية وتضامنها في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان وحرصها على تعزيز الوحدة الوطنية، وقد ساعد ذلك في المحافظة على الاستقرار الأمني والمالي في البلاد».

من جهتها، وزعت مجموعة الدعم الدولية بياناً أعلنت خلاله عن قلق السفراء المستمر حول الوضع والغموض السائد في لبنان. وناشدوا إبقاء لبنان محمياً من التوترات في المنطقة. وشددوا على أهمية استعادة التوازن الحيوي لمؤسسات الدولة اللبنانية الذي هو ضروري لاستقرار لبنان. وحض أعضاء المجموعة كافة الأطراف على مواصلة العمل من أجل مصالح لبنان الوطنية، مشيدين بقيادة الرئيس عون في الدعوة إلى الهدوء والوحدة. ورحبوا بالخطوات المتخذة لاحتواء الأزمة السياسية ولحماية وحدة البلد واستقراره وسيادته وسلامة أراضيه.
وضمن الحراك اللبناني على وقع الأزمة الناتجة عن استقالة الحريري، استمرّ مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في استقبال وفود وشخصيات سياسية، الذين أكد أمامهم أن «المشاورات واللقاءات والحوار الهادئ والحكمة في معالجة الأمور بين كافة الأطراف والقوى اللبنانية هي ضرورة وطنية، خصوصاً في الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان». وقال: «إن استقالة الحريري التي نتفهمها، أتت في ظروف صعبة ومعقدة في لبنان والمنطقة». ودعا إلى «التريث في اتخاذ أي موقف من الاستقالة وضرورة التماسك الداخلي والمحافظة على الوحدة». وقال: «علاقات لبنان بالدول العربية الشقيقة، وبخاصة المملكة العربية السعودية هي علاقات أخوية تاريخية، نحرص عليها».
في نيويورك، كشف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الجمعة، أنه أجرى اتصالات مكثفة حول لبنان خلال اليومين الماضيين.