علي العميم

سيدتي دلال البزري...
سأخبرك متى ظهرت تلك الرواية المكذوبة التي تدعي أن عبد الناصر أعدم سيد قطب لتأليفه كتاب «معالم في الطريق».


مع إعدام سيد قطب في 29 أغسطس (آب) سنة 1966، نشرت جريدة «المنار» الأردنية – سميت بجريدة الدستور» بعد دمجها بجريدة «فلسطين» سنة 1967- مقالاً لا يحمل اسماً عنوانه «الكتاب الذي حكم على صاحبه بالإعدام» ثم صدر كتيب من منشورات الإخوان المسلمين من دون أي بيانات نشر، كالتاريخ ومكان الصدور واسم الكاتب، عنوانه «لماذا أعدم سيد قطب وإخوانه»؟ على غلافه صورة لسيد قطب واقفاً خلف قضبان زنزانة بملابس السجن، وزِّع بكميات كبيرة في البلدان العربية المسموح بدخوله إليها.
هذا الكتيب، هو الأساس والقاعدة في حبك تلك الرواية المكذوبة، والتي ستكرر في مجلات الإخوان المسلمين كـ«الشهاب» اللبنانية و«المجتمع» الكويتية، وتالياً في «الدعوة» المصرية مع استئناف صدروها سنة 1976، وفي كتبهم عن سيد قطب المؤلفة في السبعينات الميلادية، والتي سيتبناها ابتداء من ذلك العقد عدد من الصحافيين والمثقفين الذين لا ينتمون إلى الإخوان المسلمين ولا إلى تيارات إسلامية أخرى.
ولأن هذا الكتيب المكتوب بصيغة الجمع بهذه الأهمية، سألخص فكرته.
استناداً إلى تعريف غربي لتاريخ البشرية أو العالم أنه تقدم بالوعي نحو الحرية، يقدم الكتيب محاكمة سيد قطب، ومن ثم إعدامه وإعدام رفيقيه محمد يوسف هواش وعبد الفتاح إسماعيل أنها حلقة من قصة الصراع بين الحرية والعبودية, بين الحرية والاستبداد - أو كما عبر الكتيب – بين الحرية والطغيان، مع ربطها بحلقة تقدمت عليها بسنوات قليلة كان أبطالها «أسلافهم حسن البنا وعبد القادر عودة ومحمد فرغلي ويوسف طلعت وإبراهيم الطيب وهنداوي دوير ومحمود عبد اللطيف وزملاءهم الكثيرين الذين سقطوا في ساحات فلسطين وعلى ضفاف القناة ثم في السجون والمعتقلات الناصرية».
الإخوان المسلمون في الحلقة المتقدمة وفي الحلقة التالية من تلك القصة هم دعاة الحرية وعبد الناصر وحكومته وقبله العهد الليبرالي، هم دعاة الطغيان، وأن الله هو الذي اختارهم للشهادة. والذين اختارهم الله للشهادة، هم سعداء بهذا الاختيار، وكذلك الإخوان المسلمون الأحياء سعداء به، لأنه دليل واضح على أن الله قد رضي عن الإخوان المسلمين ومنّ عليهم بالقبول.
ولدرء التعارض بين إعلان سعادتهم بذلك الاختيار والاصطفاء الإلهي ليكونوا شهداء في سبيله، وبين ذرف الدمع على قتلاهم، قالوا: «إننا لا نذرف الدمع ولكننا نريد أن نبين للناس الأسباب الحقيقية التي دعت عبد الناصر إلى قتل هؤلاء الشهداء الأبرار».
الأسباب التي دعت عبد الناصر إلى إعدام سيد قطب – كما زعموا – يمكن أن نقسمها إلى سبب عام وسبب خاص. السبب العام «أن من طبيعة الطغيان أن يكره دعاة الحرية وأن يحقد عليهم، لأن هؤلاء لا يألون جهداً في فضح الطغيان وأعوانه، مبينين للناس معنى الحرية وكرامتها وشؤم الطغيان وذلته. ولما كان الإنسان بطبعه يتوق للحرية، فإن الناس لا بد مستجيبون لدعاتها ملتفون حولهم. ولذلك لا يحرص الطاغية من هؤلاء على شيء حرصه على كتم كل صوت حر، والزج بصاحبه في غياهب السجون أو تعليقه على أعواد المشانق إن أمكن، كي يضمن لنفسه البقاء والاستمرار في التحكم بمصائر الناس ورقابهم...».
هذا السبب – كما في تمنطقهم وتفلسفهم – ينطبق على عبد الناصر وعلى سواه من الحكام الذين يخلعون عليهم ثياب الطغيان من فجر التاريخ. لذا قلنا عنه إنه سبب عام. ثم ينتقلون إلى القول: إن «عبد الناصر وحكومته وصحافته المأجورة ووسائل إعلامه المستذلّة افتروا على سيد قطب وكتابه القيم معالم في الطريق. وكانت التهمة الدائمة هو أنه كتاب الإرهاب ألّفه الكاتب الحاقد». ويردون على هذه التهمة بإيراد مقتطفين من ذلك الكتاب قائلين: أيتهم وكتابه بهذا، لأنه قال: إن هذا الدين إعلان عام لتحرير الإنسان في الأرض من العبودية للعباد إلخ... أم لأنه قال: ونحن ندعو الناس إلى الإسلام لننال منهم أجراً، ولا نريد علواً في الأرض ولا فساداً إلخ...
ما قاله سيد في سيد المقتطف الأول مأخوذ من كلمات موجزة مكثفة قالها ربعي بين عامر بين يدي رستم قائد جيش كسرى، وأول من أحياها ونوع عليها وأضاف إليها مفهوم الألوهية والربوبية كما هو عند المودودي. أبو الحسن الندوي في رسائله. وسيد في المقتطف الأول شفها منه شفاً.
وما قاله في المقتطف الثاني كلام وعظي وإرشادي وتقوي قد يصدق قائله وقد لا يصدق فيما يقوله. وسيد في كل مراحل حياته – كما تخبرنا سيرته – ليس من الزهاد، بل هو رجل شديد الطموح حريص على الترقي والصعود والمكاسب الدنيوية ونيل المجد. وهذا لا يعيبه في شيء.
السبب الخاص نجده في بضع صفحات معنونة بعنوان صارخ هو «غارة على الإسلام».
يتساءل الإخوان المسلمون في تلك الصفحات «لماذا تنفرد مصر من بين دول العالم أجمع بتعليق رجالات الفكر فيها على أعواد المشانق؟ هل هو حقد شخصي يضمره عبد الناصر ضد بعض رجال الإخوان؟».
يجيبون عن سؤالهم بأن «هذا محال. فليس من المعقول أن يكون الحقد الشخصي سبب قتل عبد الناصر لشخص ظل حبيس سجنه أحد عشر عاماً. ولو كان الحقد الشخصي سبب ذلك لتمت جريمة القتل فور ظفر الرئيس الملهم بعدوه الشخصي».
إن وراء ذلك مؤامرة كبرى تتعدى نطاق الحاكمين في مصر. وهذه المؤامرة هدفها اجتثاث الإسلام من مصر. «فوراء هذا الترتيب حقيقة أساسية هي أن الحاكمين في مصر، ومن ورائهم جميع القوى المعادية للإسلام. قد جعلوا هدفهم الأول استئصال الإسلام من أرض الكنانة الطاهرة».
البيّنة على ذلك أن «الهجوم انصب أولاً وقبل كل شيء على الإسلام عن طريق التشهير بالشهيد سيد قطب وكتابه القيم معالم في الطريق».
يستخلص من الكلام الأخير أن ليس عبد الناصر وحده الذي أراد إعدام سيد قطب بسبب تأليفه لذلك الكتاب، بل هناك جهات كثر أطلقوا عليها اسم القوى المعادية للإسلام، أذهلها «الكتاب لأنه يضع بوضوح وجلاء معاني الإسلام، ويبين بلغة العصر معنى الإيمان، ودربه الطويل اللاحب... كما ذهلت من النتيجة التي يعود بها الكتاب إذا ما ضم إلى أشقائه من الكتب الإسلامية الصحيحة».
وللبرهنة على هذا الادعاء، أتوا بأربعة مقتطفات من كتابه هي أطول من المقتطفين اللذين أوردتهما سابقاً منقوصين.
وعليه استناداً إلى ذلك الكتيب، يمكن القول: إن سيد قطب أعدم بسبب أربعة مقتطفات من كتابه معالم في الطريق!