خليفة علي السويدي

 يمثل الإعلام السلطة الرابعة في تسلسل أجهزة الحكومات عند الدول التي تعتمد سياسة الفضل بين السلطات المتعارف عليها، فإلى جانب السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية تأتي سلطة الإعلام غير التقليدية في توجيه الرأي العام، وكشف ما خفي من جوانب خلل بحاجة إلى إكمال، بيد أن أجهزة الإعلام العربية ما زالت تراوح مكانها في دغدغة عواطف الناس، زاعمة أن جل ما يحتاجه البشر في زمن الفتن هو الترفيه عن النفس، وليس إعلاء شأن العقل، فهل سينجو الإعلام العربي في هذا التحدي الذي تتصدره أجهزة الإعلام الجديدة كما هو متعارف عليها، هذا المقال حجر تم قذفه في بركة راكدة لعل حراكاً نتلمسه في فكر هذه الأجهزة، فمن وراء الممارسات التي نراها فلسفة خفية تحرك خيوط مختلف أجهزة الإعلام، فما أبرز تحديات الإعلام العربي الواجب الانتباه إليها: أولها بلا شك تنافسها في الفضاء الإعلامي مع ما يعرف بالإعلام الجديد، والأمر لا ينحصر فقط في الوطن العربي، فحسب المسح الذي أجراه «مركز بيو للأبحاث» هذا العام تبين أن 67% من البالغين الأميركيين يعتمدون إلى حد ما في الحصول على الأخبار على شبكات التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«سناب شات»، وذلك مقارنة بـ62% العام الماضي. وللمرة الأولى في تاريخ الأبحاث التي يجريها «بيو» وجد المسح أيضاً أن 55% من البالغين الأميركيين فوق سن الخمسين يحصلون على الأخبار من مواقع التواصل الاجتماعي ارتفاعاً من 45% في 2016.

ظاهرة غير مسبوقة في زمن السرعة، فهل سيحل هذا النمط من الإعلام بديلاً عن ما تعودنا عليه، لعلي في هذا السياق أتفق مع معالي سلطان الجابر، رئيس مجلس إدارة «المجلس الوطني للإعلام»، الذي قال في منتدى الإعلام الإماراتي: «تصور البعض أن القادم والمتطور لا بد له أن يزيح القديم، ولكننا على العكس من ذلك، نرى أننا في زمن التكامل بين الإعلام الجديد، والتقليدي الذي يجب أن يعتمد الوسائل الجديدة ضمن منظومته، وذلك من خلال تمكين الشباب».

التحدي الثاني للإعلام العربي يتلخص في ما أسميه قلب المعادلة، فالإعلام المحايد في الدول المتقدمة مهما ادعى التوازن بين الحقيقة والرأي إلا أن للمحرر وجهة نظر تقود المؤسسة الإعلامية وفق معادلة 20/ 80، ففي التعاطي مع الخبر عادة ما يتم صياغة الموضوع بنسبة 80% معتمدين على الحقائق، والباقي هو الرأي كي أقرب لكم الصورة لو وقع حادث إرهابي في دولة ما لرأيت أجهزة الإعلام تنتظر التصريح الرسمي كي تعلق عليه، لكن مصدر الخبر يبقى صحيحاً لأن الكذب عندهم على الناس جريمة لا تنسى، في العالم العربي تعودنا على أن تكون الحقيقة تمثل 20%، والرأي المصاحب لها يجاوز 80%، بلغة أخرى هناك تدليس في التعاطي مع الموضوعات وفقدان للموضوعية والمهنية، وعند ذلك هناك سؤال مؤرق هل سيستمر العرب في متابعة مثل هذه الأجهزة، لقد كشفت أزمة الخليج التي نمر بها عوراتٍ إعلامية لقناة وثقنا بها ردحاً من الزمن لكنها كانت في حقيقتها تسكب الزيت على النار، كي تحرق أحلام الشباب في ربيع مزعوم.

السمة الثالثة التي ينبغي للإعلام العربي الانتباه إليها قبل أن يفقد مكانته، هي التعامل مع الناس على أنهم أذكياء، لقد افترضت بعض الأجهزة الإعلامية الغباء في مجتمعاتها، فأضحت تعاملهم بشيء من الطبقية الفكرية التي تتلخص في «لا أريكم إلا ما أرى»، بيد أن انتشار العلم والمعرفة في الوطن العربي يقتضي التخلص من هذه العقلية، إن لم يتحرر الإعلام من ذلك، ويتعامل مع الناس بمهنية تؤمن بعقولهم، فإن مصير تلك الأجهزة الفناء في عالم الأذكياء.