سمير عطا الله

 ألسنا شعباً صغيراً لا يعرف كيف يرتقي فوق وتر العصب؟ نتخاصم مع مصر، فنقاطع أحمد شوقي، ونعادي لبنان، فنعادي فيروز، ونغضب من سوريا، فنفرض الحظر على شعر نزار؟ هل يمكن أن يتصرف الألمان والإنجليز والفرنسيون مثلنا؟ رجاءً، أسبِل جفونك تماماً لكي لا تقرأ الجواب. ودَعني أولاً أوضح لماذا أسبِل، وليس أغلِق. لأن – قالت العرب – في إمكان المرء أن يغلق عيناً ويفتح أخرى، لكن أن يسبلهما، فكلتاهما معاً.

إذن، الجواب عن السؤال هو أننا لسنا أسوأ من الإفرنج، ولا هم أفضل منا، فالغرائز تعمل بإيقاع واحد عندما تنحدر الشعوب إلى دركها.
في بدايات الحرب العالمية الأولى، أقدم سكان برلين وفيينا على إتلاف كل اسم مخزن مكتوب بالفرنسية أو الإنجليزية. وكل ظرف بريدي حمل شعاراً يقول: فليعاقب الله الإنجليز. وسيدات المجتمع اللاتي كنَّ يتباهينَ بتحدث الفرنسية في الصالونات الكبرى، توقفن عن استخدام أي كلمة فرنسية حتى في المطابخ، وكتبن إلى الصحف يشجعن الجميع على أن يحذوا حذوهنَّ. منع شكسبير نفسه من جميع المسارح الألمانية، بينما مُنع موزارت وفاغنر في فرنسا وبريطانيا. وادّعى المؤرخون الألمان أن شاعر إيطاليا، دانتي، كان من أصول ألمانية، وادّعى الفرنسيون أن بيتهوفن فرنسي من أصول بلجيكية، وليس رمز الفنون الألمانية.
قد لا تتوازى الغرائز، لكنها تتشابه. يحركها الحقد كالسحر ولا يوقفه أو يستوقفه شيء. الكتّاب والفنانون والأدباء والمفكرون هم أول من يتجاوب مع نداءات العداء. وأول من يشجعها. أول الصداقات التي تسقط صداقاتهم. كان المشهد العام للكتّاب العرب حيال زملائهم المصريين مقززاً أيام كامب ديفيد. قلة فقط من المصريين استمرت في السفر إلى العواصم العربية. والمقيمون منهم تلقوا الإهانات.
الفئة الثانية في التجاوب السريع مع الحقد هي سائقو التاكسي. ما إن تصعد إلى السيارة في المطار، حتى يبدأ السائق معك نقاشاً فكرياً. ويُطلعك بسرعة على جميع أوجه الصراع، ثم يسألك في منَّة «بدّك رأي»؟ هل تجرؤ على الإجابة بأن رأيه ورأي ذكر الماعز سيان؟
لا. الفرنج ليسوا أفضل منا. ربما الإنجليز يتميزون بأنهم يعرفون كيف يضبطون كوامنهم. ولذلك، يكرههم الفرنسيون، كما قارن أحمد فارس الشدياق في إقامته الأوروبية. فالفرنسي يفضل حرية الرأي. الصفاقة.