حمد الكعبي

في عام 1976 سيّر القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كتيبة من القوات الإماراتية للمشاركة ضمن قوات «الردع» في جمهورية لبنان، ووقتها لم يكن قد مضى على قيام الاتحاد سوى 5 سنوات فقط، أي أن الإمارات وقتذاك كانت في أمسِّ الحاجة لهذه الكتيبة للحفاظ على أمن البلاد واستقرارها، إلا أن الشيخ زايد آثر حفظ أمن الأشقاء في لبنان وتعزيز سلامتهم من اندلاع حرب أهلية طاحنة، حيث عززت الإمارات مشاركتها آنذاك في قوات الردع بسريتي مشاة وسرية مدرعات وسرية إسناد وفصيل هندسة ميدان وفصيل دفاع جوي وفصيل إشارة ووحدات الإسناد الإداري ومستشفى ميداني، لتسجل الإمارات بذلك المشاركة الأولى لها بقوات عسكرية خارج الحدود. وقد استمر عمل تلك القوات لأكثر من 4 سنوات. وعادت القوات الإماراتية مجدداً إلى لبنان في عام2001 في مهمة أخرى وظرف آخر وهو لنزع الألغام من الأراضي اللبنانية حماية ووقاية للأهالي من خطر تلك الألغام التي زرعتها إسرائيل. وقد نفذ بنجاح مشروع التضامن الإماراتي لنزع الألغام بتكلفة قدرها 50 مليون دولار.

وليس ذلك فحسب، وإنما حرصت الإمارات أيضاً طيلة الفترة الماضية على تقديم المساعدات المختلفة للمساهمة في تنمية لبنان والوقوف بجانبه في محنه التي تكالبت عليه طيلة الفترة الماضية. وكذلك حال باقي الدول العربية أيضاً التي لم تدخر جهداً في دعم لبنان، وعلى رأسها الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية التي بذلت الغالي والنفيس من أجل دعم لبنان وساعدته في مختلف الظروف والأزمات، وسعت بكل جهد لاستعادته الاستقرار بدءاً من اتفاق الطائف وفي كل المنعطفات والتحولات الخطرة السابقة واللاحقة على ذلك، حتى غدا الدعم السعودي للبنان جزءاً أساسياً من كل جهود استقرار وتنمية وإعمار لبنان، حيث أوردت تقارير دولية أن حجم المساعدات التي قدمتها السعودية للبنان فاقت الـ70 مليار دولار، كما أن تحويلات 350 ألف لبناني مقيم في السعودية تبلغ نحو 4.5 مليار دولار سنوياً، وذلك غير الدعم العسكري والاقتصادي، الذي سلم لبنان من ويلات الحرب والانزلاق في دوامة الصراعات الطائفية، التي أرهقت كاهل بلاد الأرز وشعبها الشقيق. ولم يكن الدعم السعودي مرتبطاً باتفاق الطائف فقط، بل كان أقدم من ذلك بعقود، حيث وضعت السعودية مسؤولية سلامة لبنان وسائر الدول العربية على عاتقها. إلا أن الأطماع الإيرانية هي السوسة التي تنخر في الجسد العربي، وتزرع الفتن بين الأشقاء أملًا في تصدير ثورة الملالي بدعم العصابات والمليشيات حتى تكون تلك الدول «ولايات» تابعة لولاية الفقيه، ظلت تبث النفس الطائفي المقيت وتزرع مرتزقتها أمثال «حسن نصر اللات»، وتسعى لتخريب بلاد الأرز حتى طالتها الاغتيالات وطفحت فيها النفايات. وقد ارتكبت مليشيات عملاء نظام الملالي جرائم عديدة حتى تسيطر على القرار اللبناني، ومن بين جرائمهم المشؤومة في عام 1982 اختطاف 96 فرداً، وهي الجريمة المعروفة بأزمة الرهائن التي استمرت 10 سنوات، وجميع عمليات الخطف قام بها «حزب الله» والجماعات المدعومة من طرف إيران. وفي عام 1983 دعمت إيران أيضاً تفجير السفارة الأميركية في بيروت من قِبَل «حزب الله»، مما أدى إلى مقتل 63 شخصاً في السفارة. وفي العام نفسه نفذ إسماعيل عسكري، وهو إيراني ينتمي لـ«الحرس الثوري»، عملية انتحارية في بيروت دبَّرتها إيران ضد مقر مشاة البحرية الأميركية، ونجم عنها مقتل 241 وجرح أكثر من 100 من أفراد البحرية والمدنيين الأميركيين.

وأيضاً تم تفجير مقر القوات الفرنسية في بيروت من قِبَل «حزب الله»، بالتزامن مع تفجير مقر القوات الأميركية، مما أدى إلى مقتل 64 مدنياً وعسكرياً فرنسياً. هذا علاوة على تنفيذ عناصر من «حزب الله» و«حزب الدعوة» المدعوم من طرف إيران مجموعة هجمات طالت السفارة الأميركية والسفارة الفرنسية في الكويت ومصفاة للنفط وحياً سكنياً، ونتج عنها مقتل 5 أشخاص وجرح 8 آخرين، وأيضاً تم قصف ناقلات النفط الكويتية في الخليج. وفي عام 1985 دبرت محاولة اغتيال أمير الكويت آنذاك الشيخ جابر الأحمد ونتج عنها استشهاد عسكريين وعدد من الجرحى. وفي عام 1986، حرَّضت إيران حجاجها على القيام بأعمال شغب في موسم الحج، مما نتج عنه تدافع الحجاج ووفاة 300 شخص.

هذا غير حالات الاختطاف والقتل لعدد من الدبلوماسيين الأميركيين في لبنان في الثمانينيات، وغيرها من الأفعال الإجرامية الأخرى التي أوقعت لبنان في حالة سياسية لا يحسد عليها، وسببت له إحراجاً كبيراً أمام المجتمع الدولي، بعدما كان العرب يتغنون ببيروت باعتبارها «باريس الشرق».

والأموال التي يقدمها نظام الملالي لبيروت لا تذهب إلا لعمليات غسيل أموال أو تجارة مخدرات وشراء أسلحة للمنظمات الإرهابية وغيرها من الأمور المؤدية لتخريب لبنان ونشر الفوضى فيه أكثر فأكثر، وهي لا تنفق إلا على وكلاء أعمالها، ومثيري الفتن وحروب الوكالة في لبنان والمنطقة، من أتباعها وأذنابها المرتزقة. ولذا فشتان.. شتان ما بين الدعم العربي للبنان، والتدخل الإيراني فيه الذي جعله ساحة لحرب أهلية، ومكب نفايات سياسية لمليشيات «حزب اللاهوت»، الذي يمارس مرتزقته القتلة الآن سياسة وضع اليد على كثير من مفاصل السلطة في بيروت.