سمير عطا الله

 لزميلنا السابق وصديقنا الدائم مصطفى الجندي، مودات وصداقات في أنحاء العالم العربي من أبعاده الأفريقية إلى مجاله المتوسطي. ولا يمكن لمثل هذه الصداقات أن تنمو وأن تستمر لولا عامل أساسي هو الثقة، ليس فقط في أخلاق مصطفى، بل أيضاً في طاقاته. وأما الثقة، فلا مجال للنقاش، لكن قدرات مصطفى طرحت على المحك في قضية غير متوقعة في الإطلاق.

يقيم مصطفى في جنيف وقتاً طويلاً من السنة. وذات يوم اتصل به وزير دفاع سابق من أصدقائه، وسأله همساً: هل أنت في جنيف؟ أجاب مصطفى بالإيجاب.
- هل يسمعنا أحد الآن؟ قال مصطفى: لا أدري. فليست لي علاقات مع شركة الهاتف.
- هل تستطيع مقابلتي يوم الثلاثاء؟ 
- بكل سرور.
الثلاثاء، في الرابعة بعد الظهر، جلس مصطفى ينتظر صديقه الوزير السابق في بهو فندق هيلتون، وفي رأسه ألف علامة استفهام. بل إنه شعر بالقلق على صديقه، فهو يعرفه رجلاً مرحاً صريحاً مرتفع الصوت، والآن لا يتكلم إلا همساً. وفي الرابعة تماماً وصل معالي الوزير، ودخل البهو على رؤوس أصابعه كأنه يدخل غرفة نوم أطفاله. ووقف مصطفى مرحباً ومطلقاً ضحكته المعهودة، لكن الوزير تمهل، ثم تلفت مرة أخرى في أنحاء الصالة، وبعد التأكد من شيء ما، تقدم نحو صديقه وعانقه.
لكنه ظل يتحدث في همس كأنه فقد كثيراً من أوتار حنجرته. وزاد قلق مصطفى على صديقه. وسأله مستعجلاً الجواب: ماذا في الأمر. لقد أقلقتني. هل العائلة بخير؟ وقال معاليه، دائماً في صوت خافت: «اعتبر من هذه اللحظة أننا أصبحنا من أثرياء العالم، أنت وأنا. ذهب يا مصطفى، ذهب».
وبسبب صلات الوزير الأفريقية، اعتقد مصطفى أن الوزير عثر على منجم ما، لكن الوزير عاد يقول له: أريد مساعدتك. نحن في حاجة إلى شركة سويسرية تطور هذا الاختراع العجيب!
- وما هذا الاختراع العجيب، معاليك؟ الوزير هامساً: سائل يحوّل النحاس إلى ذهب! ذهب يا مصطفى، ذهب.
تنفس مصطفى الصعداء. على الأقل صديقه بخير، وعائلته بخير، والنحاس بخير، والذهب بخير. وسأل صديقه: «هل تعتقد أن صاحبك المخترع نائم على اختراعه حتى الآن؟ أم أنه ليس لديه سواك كي يحوّل سعر الذهب من ألف دولار إلى ألف مليم؟».
رفض معاليه الاقتناع: «أنت لا تقدّر قيمة الفرص. ولن تتغير. يا رجل، هل تدرك ما أقول؟». وقال مصطفى: «تلك هي المشكلة. إنني أدرك ما تقول». ولا يزال الوزير مقتنعاً بأن صديقه وصديقنا قد خذله.