خالد درّاج

سأحسن الظن وأعتبر أن ما ردده بعض كتاب الخارج، إلى جانب كاتبيْن سعوديين، حول ما أسموه بمشروع «فتح الجبهات» والمخاطر المترتبة عليه مجرد مصادفة وتوارد أفكار لا غير! وبعيداً عن الأهداف والمآرب وصدق النوايا، لو أردنا الدخول في التفاصيل لوجدنا أن طرحاً مثل هذا قد يكون مقبولاً ومتاحاً للرأي والنقاش، لاسيما عندما يتداخل الاستراتيجيون من المحللين السياسيين والعسكريين ليتناولوا الأولويات والبدائل كافة وسط ظروف ومناخات «جيوسياسية» معقدة ومتداخلة.

أقول، إن كل ذلك كان متاحاً للنقاش والحوار فيما لو كانت الأمور تسير بشكل طبيعي وكانت تلك الجبهات هي جبهات فعلية مستقلة السيادة والرأي والقرار والقضية، وبالتالي سنقترب وربما كثيراً من صدقية تلك التحفظات، ونتفق كذلك على أن فتح أي جبهة جديدة وأنت في حال حرب مع جبهة أخرى كما يراه الخبراء العسكريون خطوة سلبية يترتب عليها الكثير من المخاطر، وتستلزم الكثير من الترتيبات ورفع مستوى الجاهزية وما إلى ذلك من إجراءات ليس المجال متاحاً هنا لإيرادها، وربما لن يذهب الساسة بعيداً عن ذلك الرأي. ولكن يجب أن نعرف قبل الخوض في مثل هذه النظرية أن هذا النوع من تعددية الجبهات يطلق على تلك التي لا علاقة لأي منها بالأخرى، لا من حيث هوية العدو (وهذا جانب مهم ورئيس) ولا كذلك من حيث طبيعة الخلاف وهوية الحلفاء، وهذا النوع مستبعد تماماً ولا ينطبق بأي حال من الأحوال على ما نصح الكتاب المعنيون بتجنبه. النوع الثاني من هذه الجبهات - وهو بيت القصيد - هو ما يمكن تسميته بالجبهات «الوهمية» لعدو استراتيجي واحد، زرع أو وظٌف أو استعبد عملاء له على أكثر من جبهة ليحاربوك «بالنيابة عنه» حرباً رسمية معلنة وواضحة للقاصي والداني، فالعتاد العسكري وخبراؤه من جبهة طهران، والمشغلون والمدربون من جبهة لبنان، والمنفذين وحطب المعركة من جبهة اليمن (قاعدة المواجهة)، إلى جانب جبهة الدوحة التي تتولى الدعم الإعلامي واللوجستي، بخلاف «جبهات نائمة» تراهن عليها طهران متى ما استدعت الحاجة.

عبر كل هذه الجبهات «العميلة»، تحاربك إيران في أمنك الداخلي والقومي ووحدتك المجتمعية والجغرافية، تحاربك في استقرارك واقتصادك، وقبل كل ذلك عقيدتك ومقدساتك (مقدسات كل). لقد وصلت إيران عبر كل تلك الجبهات إلى عمق الأراضي السعودية بصواريخها وأسلحتها، مستخدمة تقنيتها وخبراءها والتي لا يمكن للعصابات الحوثية وحرس علي صالح ولا حتى للجيش اليمني في أفضل حالات جهوزيته قبل «العاصفة» أن يصلوا لها مجتمعة أو متفرقة أو حتى يقتربوا منها، وصلوا للعمق السعودي بالصواريخ الباليستية على فشلهم الذريع في جميع محاولاتهم العدوانية بفضل التجهيز والتأهيل العسكري السعودي، وبالتالي وبعد كل هذه المنظومة العدوانية التي تدار من إيران، لم يعد هناك سوى جبهة واحدة موحدة رأسها في طهران وقدماها بين ضاحية بيروت وجبال مران في صعدة.

وأمام كل هذه العدوانية السافرة لم يعد أمام السعودية إلا أن تضع كل خياراتها السياسية والعسكرية على الطاولة لحفظ أمنها واستقرارها وصولاً لكل أعدائها في اليمن حالياً وفي الضاحية وطهران قريباً، متى ما حان الوقت المناسب وعلى مرأى ومسمع المجتمع الدولي الذي بات اليوم أكثر من أي وقت مضى قريبا ومقراً لـ«حق السعودية» الكامل في قضيتها العادلة النقية.

أما أولئك القافزين على الحقائق (بخبث وعمالة) ويطالبون السعودية بالتوجه المباشر بقواتها لطهران بدلاً من لبنان واليمن، فالإجابة عليهم واضحة وبينة وهم يدركون قبل غيرهم أدق تفاصيلها، إذ كانت السعودية كدولة مؤسسة لهيئة الأمم المتحدة وتحترم القانون والأعراف الدولية تتعامل مع مصادر الاعتداء المباشر عليها من حيث قاعدة انطلاقها (اليمن)، وعلى أمل التوصل لحلول نهائية تحفظ السلم والسلام وتمنع بشكل قاطع استمرار وضع ما قبل «العاصفة»، ومع مرور الوقت وإلى اليوم توافر لدى «التحالف» حجم ضخم من المعلومات التي توثق العدوان الإيراني كمستمسك قانوني يتيح لها اتخاذ الخطوات المستقبلية اللازمة، وهذا يضاف إلى جانب ما سبق وأن أعلن في بيانات وتصريحات لكبار المسؤولين السعوديين وقوات التحالف بحق المملكة بالرد في الوقت المناسب، ولعل الفترة المقبلة ستشهد ما يأخذ بهذه المواقف الى خطوات عملية تسمع بها طهران ولم تتوقعها، علماً أن الإيرانيين يدركون تماما أنهم أجبن من أن يتخذوا موقع المواجهة المباشرة مع الرياض، ولعل حادثة إسقاط الطائرتين الإيرانيتين في الثمانينات من الطيران السعودي والتي حاول فيها الايرانيون مجرد المحاولة دخول الأجواء السعودية مازالت تسكن أذهانهم، ناهيك عن معرفة الاستخبارات الإيرانية قبل غيرها عن وضع ميزان القوى العسكرية بين إيران وطهران. ختاماً، يبدو أن قرار فتح الرياض للجبهة التالية تم اتخاذه، ولم يعد يتبق سوى قرار ساعة الصفر.

 

* صحافي وباحث إعلامي.