يوسف الكويليت

الزمن يتخطى دولاً، ويبرز أخرى، وهي قضية التحولات الكبرى منذ الحضارات الأولى، وإلى عصر القطبية الثنائية (السوفيتي، والأمريكان) والزمن القريب سيفرز قوى جديدة تمتلك ذات القدرات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وفي هذا التداول للمواقع على الخارطة العالمية، نجد أن دورنا العربي مرهون بقدرتنا على خلق السلام الداخلي، والدخول بدور المنافس، ليس فقط بسياسة التحالفات التي عفا عليها الزمن، وإنما بالقدرات الذاتية التي تحولنا من مجرد ساحة حروب إلى مصادر التنمية بقنواتها المختلفة..

قبل عقود كان التنافس بين بغداد والقاهرة على إدارة الشأن العربي، وربطه بالقوى النافذة في منطقتنا، صار من المسلمات، وكل عاصمة تسعى للاقتراب من سورية لأنها المعادل الأهم في ضمان القوة بين المتنافسين والمرجحة لأحدهما..

حالياً ليس هناك من يملك إدارة الأزمات العربية، لأن معظم المتنافسين يمرون بحالة فقدان القوة، إما لانشغال بظروف اقتصادية معقدة، أو حروب داخلية، وبدون مجاملة لم يبق في حائط الصد العربي إلا المملكة ودول الخليج في تغيير موازين القوى مع إيران والمتحالفين معها مثل لبنان ونظام سورية والحوثيين وقطر، والتي تعتبر رأس دبوس صغير في موقعها الجغرافي على الكرة الأرضية مهمتها القيام بدور المحرض والقاتل في إدارة لعبة أكبر منها بل مصرف مالي مفتوح للجريمة حتى أصبحت صورة المنبوذ في عائلته ومحيطه..

المملكة ودول الخليج العربي كانت فقيرة، محيط صحراوي هائل وشريط بحري تعتمد الدول المطلة عليه على صيد اللؤلؤ والأسماك، ووسط الجزيرة وأطرافها تعتمد على المطر، أو الزراعة المحدودة إلى أن جاء انفجار النفط ليغير معالم هذه الدول، هذه النعمة التي يعيرنا بها البعض، هي من دفعت فواتير الحروب والديون المعسرة وكفالة دول عربية عديدة عند الصناديق العالمية من أجل فك حصارها المادي، وهو واجب لا ندعي كرمنا فيه وفقاً لمبدأ الأخوة، لكن ما يغيض أنه عند أي خلاف سياسي، ولو مختلقا، تبرز نزعة التعالي، حتى أن جغرافيتنا أصبحت مسّبة لأننا البدو، أكلة الجراد والضبان والسابحون بالغبار والرعاة الحفاة، إلى آخر القاموس الذي لم يعد يبعث ابتسامة عند أجيالنا الجديدة، التي فاقت في تحصيلها الدراسي والعلمي معظم الدول العربية، وهذا ليس انتقاصا من حق دولة أو شعب، وإنما قبول الحقائق كما هي، لأن هذا البدوي الحافي يدير إمبراطوريات مالية وجامعات وبنوكا وجيوشا في غاية التقدم في تقنياتها، أي أن بناء كبيراً تم تشييده في غفلة بعض الدول وانشغالها بشعاراتها وانقساماتها الداخلية والخارجية..

لسنا في حالة المحاسبة أو استغلال الظرف الزمني للرد على التشهير، لأن رضانا عن أنفسنا أعطانا قدرة التحمل والإرادة الصلبة والتسامح عن كل ما يفترض إدانته أو الاعتذار منه..

عموماً نظل أخوة دم ومكان وتراث، وما يجمع أجيالنا أكبر مما يفكر به أو يديره السياسيون، لأن الأشخاص يرحلون ويبقى الزمان والمكان، وتوالد الأجيال..