سمير عطا الله

 تعدو بيروت كل ثاني عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) في «ماراثون» إغريقي طوله 42 كيلومتراً. جميع الأعمار وجميع الجنسيات وجميع الخلق. تنظم هذه المسيرة السيدة مي الخليل منذ 14 عاماً. لم تتعب، ولا بيروت تعبت، ولا اللبنانيون ملّوا هذا اللقاء الرياضي الجميل، فهم جنس بشري سريع الانفعال، سريع العناق. السرعة الأولى أبشع ما فيهم، والسرعة الثانية أحب ما فيهم؛ لأنها أقرب إلى بلدهم وإلى طبيعتهم وإلى براعتهم في حب الحياة، في السهر وفي الطفر، وفي تجاهل ضربات القلب على مدى 42 كيلومتراً.

يضم «الماراثون» وجوهاً سياسية وفنية وأدبية وNext. وأما Next فهو الإشعار الذي يتكرر على نشرات الأخبار التلفزيونية المسائية جميعها، عن البرنامج التالي. والبرنامج التالي، على جميع القنوات، مسلسل لبناني بلا بداية أحياناً، وبلا نهاية دائماً، وفي وسطه أب غاضب وأم باكية، ومفروشات لماعة مذهبة قماشها مخمل ذهبي أيضاً.
وNext فلنعد إلى موضعنا. والمؤسف أن ليس بين جوائز المسيرة سعفة ذهبية وإلا لذهبت وقدمتها، محني الرأس، إلى أستاذ القانون، ربيع الجمال (31 عاماً). منذ 14 عاماً وربيع يحلم بهذا اليوم. لكنه لم يكن قادراً على العدو كيلومتراً واحداً.
إلى أن عثر على مدربة، لا أعرف إن كانت من أهل هذا الكوكب، أو من كوكب أكثر قدرة وصبراً وشهامة. لكن وفق «غوغل»، فإن ماري قليعاني لبنانية، من قضاء كسروان. وفي يوم «الماراثون» تمكّن ربيع، بمساعدتها، من أن يقطع 7 كيلومترات. الازدحام والخوف من الاصطدام بالعدّائين المسرعين. حاول ربيع أن يعتذر من دليلته: كفى، فلنتوقف هنا.
ناولته ماري شربة ماء وقالت له: اسمع. الشجاعة لا تقبل منطق ربع أو نصف التحديات. والنجاح إما أن يكون كاملاً أو لا يكون. فلنكمل. وأكمل ربيع الجمال الماراثون حتى الياردة الأخيرة. ومنذ متى أهتم أنا بالرياضة وأتابعها وأعرف عنها؟ لكن ربيع ليس عدّاءً جباراً مثل قبائل الكيوكيو في كينيا. ربيع فقد أكرم الحواس، البصر، وهو في السادسة عشرة من العمر. لكنه لم يفقد ما هو أكرم منها، الإرادة. ومضى يستكمل حياة عادية ونابهة في الدراسة والتدريس. وهذا ليس سوى الماراثون الأول، وإلى جانبه تعدو أيضاً مدربته، مؤدّية مهمة البصر.