سمير عطا الله

كانت أشهر كاتبة روايات بوليسية، أغاثا كريستي، ترسل بطلها المفتش هيركيول بوارو لكي يحل جميع القضايا الشائكة. واختارت أن يكون المسيو بوارو بلجيكياً، أي ساذجاً وموضع نكات وتندر. ورسمت له صورة كاريكاتورية، بشاربين صغيرين معكوفين إلى فوق، ومقويين دائماً بسائل مجمد وآخر لماع.

وأنا أعرف منذ زمن أنه في داخل كل مواطن من مواطني الأعزاء هيركيول بوارو، لكنني لم أكن قد رأيت فرقته وهي تعمل في حل قضية كبرى. أخيراً، تحققت أمنيتي الأسبوع الماضي، عندما انطلق بوارو ومعاونوه يحللون «احتجاز» الرئيس سعد الحريري في الرياض، استناداً إلى المقابلة التلفزيونية التي أجريت معه.

تفضل مسيو مفتش: دليل أول، «كم» قميصه لم يكن مزرراً عن المعصم. دليل ثان، أين ساعة يده؟ فهي غير ظاهرة في الصورة. ثالثاً، كان يشرب المياه بكثرة، وهذا ما يفعله عادة من يتناول المهدئات. ثم إنه لم يبتسم. والكوب الذي أمامه لم يكون من النوع الثمين، مما يعني أن المقابلة لم تجرِ في منزله.

أدلة أخرى: لون شرشف الطاولة، لون ربطة العنق، نوع السجادة، طول الكرسي، زاوية الكاميرا التي عند اليمين، زاوية الشمال. تجنب المصورين للصور القريبة لكي لا تظهر رفة الجفن في العين اليسرى. وثمة دلائل كثيرة أخرى يستكمل المفتش بوارو دراستها في مختبره. وقد أرسل بعض الصور إلى زميله شرلوك هولمز لإبداء الرأي. وبعث بخلاصة قصيرة إلى جيمس بوند مع عينات من تحاليل سابقة.

المفتش بوارو الأول كان ظريفاً خفيف الظل، ويعرف أين يوقف البحث في الترهات، فقد كان هدفه دائماً أن يثير الإعجاب، وليس الضحك، وأن يحمل قراءه على التفكير، لا على الاستغلاظ.

أسوأ ما في بوارو - بالجمع - اللبناني أنه - أو أنهم - قرر الاستذكاء المفرط وخفة الظل الفائقة، فيما البلد في وقت عصيب، والأمة فائضة بهذا النوع من العبقريات. غني عن القول أن فرقة بوارو المحلية أرادت الإساءة إلى الرئيس الحريري، وإلى السعودية، وإلى لبنان؛ المسيو بوارو كان ظريفاً ومؤدباً.