الرئيس اللبناني ميشيل عون صاحب مواقف متقلبة لا تُنسى، كان طموحه أن يكون رئيساً، لا يريد أن يدفن ميتاً قبل أن يصل إلى قصر بعبدا، وإلى سدة الرئاسة اللبنانية، مهما كلفه ذلك من مواقف وتقلبات تنسجم مع شخصيته غير المستقرة على مبادئ أو أجندة، ومهما كان هذا السلوك متناقضاً اليوم مع ما كان يقوله أمس، فالمهم لدى العماد أن يجلس على كرسي الرئاسة ولو شكلياً، ومن دون السلطة الحقيقية التي ينص عليها الدستور اللبناني.

* *

ميشيل عون استغل الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975م، وفراغ لبنان من رئيس جديد منتخب بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل، فشكل الرئيس المنتهية ولايته نكاية بخصومه وزارة عسكرية برئاسة العماد عون؛ بوصفه قائد الجيش آنذاك، مخالفاً بذلك الدستور، يوازيها وزارة مدنية تشكلت برئاسة الرئيس سليم الحص، حيث ينص الدستور على سنية رئيس الوزارة، فيما تصدى الاحتلال السوري لعدوه آنذاك ميشيل عون، حتى أجبره على الهروب إلى السفارة الفرنسية، ومن ثم المغادرة إلى باريس مكرهاً، ومهجراً إلى هناك لأكثر من عشر سنوات بموافقة دمشق، ولكن بشروطها.

* *

عون الذي عاد إلى بيروت من مهجره صديقاً لنظام الأسد بعد أكثر من عشر سنوات، لم يعد إلا بموافقة سوريا وشروطها، متناسياً كل المواقف السورية العدائية منه، والتاريخ الدموي بينه وبين الرئيس السابق حافظ الأسد، ومرتمياً في أحضان دمشق، ملبياً ما تطلبه منه، ومنسقاً ومتعاوناً مع حزب الله في المواقف والسياسات، بما في ذلك انتخاب الرئيس، وتشكيل الوزارة، والانتخابات النيابية، وتعديل قانون الانتخابات، والمواقف السياسية، وغير ذلك كثير، بما جعله يتصرف على نحو يجعله آخر من يتحدث عن مصالح لبنان.

* *

شكل حزباً بعد عودته، مدعوماً من دمشق وطهران وتل أبيب وحزب الله والدوحة، معطياً ظهر المجن لكل مصالح لبنان، مركزاً عمل حزبه على ما يرضي إيران وإسرائيل وسوريا وقطر وحزب الله، بحثاً عن مقعد له في رئاسة لبنان بعد سنوات من الانتظار، وشعور بالحرمان، ليجد في هؤلاء الحلفاء - كما ظن - فرصته للوصول إلى قصر بعبدا، وهو ما كان يستحيل أن يتحقق له لولا التفاهمات التي تمت مع الرئيس سعد الحريري ومجموعة 14 آذار والمستقبل التي أوصلته لكرسي الرئاسة، على أن تشكل الوزارة برئاسة سعد الحريري.

* *

تصريحات عون التي جاءت رد فعل على استقالة سعد الحريري، تظهر إلى أي مدى أن الرجل المريض لا يتصرف إلا بما يمليه عليه حسن نصر الله، وإلا كيف له أن يتحدث بما تحدث به من تخرصات وأكاذيب وافتراءات بشأن طبيعة استقالة الحريري، ووضعه حالياً في المملكة، إن لم يكن قد استسلم لحزب الله، وسلم القرار الرئاسي اللبناني لأمين عام الحزب عميل إيران كما يعترف نصر الله بذلك.

* *

عون، كما أشرنا، كان كل همه أن يختم حياته رئيساً للبنان، أياً كان الثمن الذي سيدفعه، حتى ولو كان التضحية بلبنان، في مقابل جلوسه على كرسي الرئاسة، وقد كشف بأحاديثه الأخيرة عن عوار سياساته ومواقفه وتآمره على لبنان، بما لا يمكن فهم رفضه لقرارات الطائف التي أنهت الحرب في حينها، ثم قيادته الدموية في فترات من الحرب الأهلية لتأجيج الصراع والفتنة بين اللبنانيين، وأخيراً التعاون وتنسيق المواقف مع إيران وإسرائيل وسوريا وقطر وحزب الله بما يضر بمصالح لبنان، إلا أنها نقطة في بحر من خطه السياسي وتوجهاته المريضة في تحقيق أطماع أعداء الأمة العربية على حساب مصالح لبنان والدول العربية.