محمد آل الشيخ

سألني: ألا تعتقد أن لهذا الغول الإيراني المؤذي من نهاية قريبة؟.. قلت: بل أجزم أن نهايته ستكون أقرب مما يتوقع الكثيرون. فالحكم الحالي في إيران ضد طبيعة العصر، وضد الأصول السياسية، شكلاً ومضمونًا؛ وهو في ممارساته ومراميه القريبة والبعيدة، ليس في مقدوره التعايش مع بقية دول العالم، لا البعيدة عنه، ولا المجاورة له. 

صحيح أن ثورة الخميني عندما قامت، وأسقطت عرش الشاهنشاه المتسلط، انخدع بها، وأعجب بجماهيريتها كثير من العرب، بل ورأوا فيها -آنذاك- نموذجًا للثورة السلمية، التي أسقطت ما عجزت الانقلابات العسكرية الإطاحة به، غير أن هذا الإعجاب سرعان ما تلاشى واضمحل مع مرور السنين، وتسيد النزعة العدوانية للملالي لتصدير الثورة إلى دول الجوار، وإثارة القلاقل والفتن، دون أن تقدم مردودًا تنمويًا إلى الداخل الإيراني، الذي يُعاني أشد المعاناة، من صرف الأموال بسخاء على هذا التوسع العدواني، الذي لا يبرره إلا رغبة جامحة في التعامل مع الدول المجاورة بمصادرة سيادتها, وإذكاء للفتن والإرهاب من خلال عملاء ووكلاء لها، وفكرة الاحتلال، أو الاستعمار بالقوة المسلحة، أقلعت عنها دول تملك من القوة أضعافًا مضاعفة مما تملكه إيران، بعد أن اتضح لهم من خلال تجاربهم الاستعمارية، أنها تنتهي إلى الفشل، أو أن ما تدفعه كثمن لهذا التوسع، أقل وبكثير مما تجنيه كعائدات. غير أن ملالي الفرس أمة تنطلق من منطلقات أصولية كهنوتية، والكهنوتي عندما يحكم لا علاقة له بالأسلوب البراغماتي في التعاملات السياسية، بقدر علاقته بالماورائيات، التي عادة ما تختلط بالأساطير والخرافات الموروثة. 

ربما أن هذه الموروثات قد تكون أسلوبًا يُشعل الثورات ويؤججها عند انطلاقها في البداية، لكن الاستمرار يحتاج أن تتلمس مصالح الناس واحتياجاتهم الدنيوية، وتتبعها، وتدور معها حيث دارت واتجهت، حتى وأن اقتضى هذا الاتباع أن يكون لها أولوية مطلقة على الموروثات والروايات التراثية.

دولة إسرائيل -مثلا- قامت على أساس توراتي محض، لكنها لم تلبث إلا أن غيرت نهجها الأصولي إلى النهج الميكافيلي، والدولة المدنية، ولك أن تتصور لو أن إسرائيل يحكمها اليوم حاخامات، لا همّ لهم إلا اتباع التراث التوراتي الموروث الأصولي أتراها ستستمر وتبقى، وتبلغ هذه القوة والمنعة؟.. 

إيران مشكلتها، وربما السبب الذي سوف يُنهيها، أنها بعد قرابة الثلاثة عقود من قيامها، ما زال يحكمها رجال الدين، وما زالوا يعيشون أجواء القرون الوسطى، حيث القوة والغزو والتوسع الجغرافي، وإرغام الآخرين على الرضوخ لهم، واعتناق معتقداتهم بكل الأساليب، في حين أن الدول المعاصرة هي (دول مدنية) أولا، تقوم، وتتمحور، وترتكز، على تقديم (الخدمات الحياتية) لمواطنيها، وبالتالي فلن يقبل إنسان العصر الحاضر أن تُصرف مقدرات ووطنه ومدخلاته الاقتصادية على الأسلحة والقوة العسكرية مقابل قصور وتدني الخدمات ومتطلبات المعيشة، وعدم المبالاة بالأمراض الاقتصادية والطبية والاجتماعية، ناهيك عن قصور واضح وفاضح في معالجة الفقر وتفشي المخدرات وتزايد معدلات البطالة، وغيرها من متطلبات التنمية الشاملة.

إيران الملالي تضع السلاح والصرف على التوسع الجغرافي بالقوة، والتبشير بنظرية الولي الفقيه، في قمة أولوياتها، والإنسان الإيراني العاطل والفقير والمعلول، لن تقدم له هذه الأسلحة بمختلف أنواعها طعاما يُقيم أوده، ولا عملا ولا حلا لتفشي أمراضه الاجتماعية، وهذا الإنسان صاحب التاريخ الحضاري العريق إن سكت الآن، وسكت غدا، وبعد غد، فلا بد أن يأتي اليوم الذي سينتفض فيه، متحديًا كل وسائل القمع، ويسقط الملالي وثورتهم الكهنوية، مثلما أسقط دولة الشاه قبل قرابة الأربع عقود. وهذا حسب ما أراه من مؤشرات وإرهاصات هو ما يجعلني أجزم أن إيران تتآكل من الداخل، ويتزايد فيها أعداد المتذمرين والغاضبين، من هذه الدولة الدينية، ولا بد لهذا التململ والتذمر أن ينفجر يوما ما.
إلى اللقاء