جويس كرم

الجانب التفصيلي من أزمة لبنان منذ مغادرة سعد الحريري بيروت واستقالته من الرياض في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر)، اقترب من الانتهاء مع ترقب عودة رئيس الوزراء إلى بيروت مطلع الأسبوع المقبل وتقديم استقالته هناك، والخوض بعدها بمسار شاق لتشكيل الحكومة المقبلة أو الدخول في مرحلة الوقت الضائع حتى الانتخابات النيابية أو ما بعد ذلك.

أزمة لبنان الفعلية ما زالت في بدايتها، وهي لن تنتهي بعودة الحريري، والأجوبة عنها غير موجودة في أروقة التحالفات السياسية المتبدلة والحسابات الخاصة داخل بيروت، بل ترتبط بمسار المواجهات في اليمن وسورية ومؤتمرات الرياض وسوتشي. يمكن القول إن جهود الحريري والمساعي الدولية ساعدت لبنان خلال الأسبوعين الفائتين في وقف تصعيد اقتصادي كان سيطال الودائع الأجنبية والجالية اللبنانية في الخليج. الجهود الديبلوماسية كبحت التصعيد، لكنه يبقى أحد الأوراق على الطاولة إذا فشلت الجهود في إيجاد توازن سياسي داخل لبنان يراعي الصورة الإقليمية المتبدلة.

اليوم، وبغض النظر عن استقالة الحريري والصورة داخل لبنان، هناك اندفاعة إقليمية بدعم أميركي للتصدي لـ «حزب الله» في أكثر من ساحة وبأكثر من أداة. هذه الاندفاعة لن تكتفي ببيان وزاري من أي حكومة مقبلة في حال تم تشكيلها، تتعهد صورياً «النأي بالنفس» أو عدم التدخل في الشؤون الإقليمية. اليوم، وبالنظر إلى واقع حزب الله واقتراب إيران من مد جسر بري عبر العراق وسورية إلى لبنان والمتوسط، هناك بحث عن استراتيجية إقليمية وأميركية أكبر لتبديل هذه الصورة، ولبنان جزء أساس فيها.

واشنطن تعتبر استقرار لبنان ودعم الجيش خطاً أحمر، ولا تريد هز هذه الثوابت في المرحلة المقبلة. في الوقت نفسه، هناك تذمر أميركي من مجرى الأمور في لبنان، من نفوذ حزب الله العسكري والسياسي على الأرض وداخل الحكومة السابقة. عقوبات الكونغرس المرتقبة هي جزء من هذا الضغط، وهناك حروب استخباراتية ومحادثات أميركية بعضها تم مع الجانب الإسرائيلي الأسبوع الفائت حول الحد من نفوذ إيران والحزب في الجنوب السوري وإقليمياً.

ماذا يعني ذلك للبنان تحديداً؟ واقعياً، الأزمة التي بدأت باستقالة الحريري هي أكبر بنطاقها من قدرة أي حكومة لبنانية على استيعابها، وتترابط بما سيجري ميدانياً في اليمن وفي سورية. سياسياً، سيحدد اجتماع الجامعة العربية اليوم السقف والاتجاه الذي سيتم التحرك فيه، والذي سيصعب على أي حكومة لبنانية في هذا الظرف على الخروج عن هذا الهامش.

في ضوء هذا التصعيد الإقليمي وغياب الحلول الأكبر، يمكن القول إن لبنان دخل في مرحلة مراوحة سياسية، لا يتوقع أن يخرج عنها تنازلات حكومية قبل أن تنضج الصورة الإقليمية. في هذه المرحلة، سيسعى الجانب الأوروبي والأميركي للالتزام بالثوابت في دعم الجيش وإبعاد لبنان قدر الإمكان عن النار الإقليمية مع حضور أميركي أكبر في التنسيق لإضعاف حزب الله.

في هذا المسار، يبدو الفراغ الحكومي الأكثر احتمالاً في بيروت، نظراً إلى قوة حزب الله اليوم واستبعاد أي تنازلات بالحجم المطلوب منه، واحتمال إعادة خلط التحالفات الداخلية. فالمظلة التي يأتي بها الحريري من الرياض تحتم عليه وعلى تياره نهجاً تصعيدياً ضد حزب الله، بانتظار تطورات الساحات المشتعلة في اليمن وسورية وكون أي تنازل هناك قد يتم صرفه على المستوى اللبناني. أما في غياب ذلك فهامش التحرك ضيق لبنانيا عدا عن الاجتماعات وشعارات التضامن والوحدة و «النأي بالنفس» في البيانات المكتوبة.