شملان يوسف العيسى

أطاحت القوات المسلحة في زيمبابوي برئيس الجمهورية الدكتاتور روبرت موغابي بعد أن حكم البلاد منذ استقلالها لمدة تزيد عن 37 عاماً.

وتجربة زيمبابوي مع أحد القيادات الوطنية التي تصدرت حركة الثورة والرفض ضد الاستعمار الأوروبي في العالم الثالث، روبرت موغابي الشاب الذي قاد «الجيش الوطني الأفريقي»، الجناح العسكري في حرب عصابات ضد حكومة روديسيا بقيادة «إيان سميث»، واستمرت الحرب لمدة 15 عاماً فيها حكم الأقلية البيضاء التي كانت تدير هذا البلد.

وتحول الزعيم الثوري بعد وصوله إلى السلطة في عام 1980 إلى زعيم أوحد ورئيس استبدادي أفقر بلده الغني بالمواد الطبيعية، مثل الفحم والذهب والنيكل والنحاس والقصدير والحديد والتبغ والبلاتينيوم والقطن والزراعة.. إلى دولة فقيرة عانت من المجاعة ونقص الغذاء، بسبب سياساته الشعبوية، خاصة قيامه بمصادرة الأراضي الزراعية التي يمتلكها المزارعون البيض وتوزيعها على أبناء البلاد الأفارقة من الفلاحين الفقراء.

وقد أدت السياسات الشعبوية التي انتهجها موغابي إلى انهيار الإنتاج وانتشار الفقر والبطالة في بلاده، مما أدى إلى هجرة مئات الآلاف من سكانها إلى جنوب أفريقيا المجاورة بحثاً عن عمل، خصوصاً بعد تصاعد سياساته القمعية وإمعانه في مصادرة الحريات وفي التنكيل بخصومه السياسيين.

ما حصل في هذه الجمهورية الأفريقية حصل لدينا مثله تقريباً في الدول العربية وكذلك في عدد من دول آسيا وأميركا اللاتينية، حيث أدت الثورات التي يقودها العسكر إلى كوارث اقتصادية وسياسية واجتماعية.

السؤال الآن هو: هل الانقلاب العسكري ضد نظام الطاغية الزيمبابوي سينقذ هذا البلد الأفريقي المنكوب بسياسات رئيسه المخلوع، أم أن حالة استيلاء العسكر على السلطة ستؤدي إلى مزيد من الفقر والاستبداد؟

تجارب التحول الديمقراطي السلمي لم تتحقق في أفريقيا باستثناء عدد قليل من دول القارة من بينها جنوب أفريقيا على يدي الزعيم القائد نيلسون مانديلا الذي قاد بلاده بعد انهيار الحكم العنصري إلى نموذج تحتذي به معظم دول العالم الساعية إلى الأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي، فهذا الزعيم الكبير لم ينتقم من البيض الذين سجنوه 27 عاماً، بل اعتمد سياسة التسامح ونسيان الماضي ورفض العنف.. من أجل بناء الدولة الجديدة التي تتعايش فيها جميع فصائل المجتمع على أسس ديمقراطية سليمة. لذلك فقد رفض رفضاً قاطعاً تمديد حكمه بعد أن حكم لمدة 8 سنوات (فترتين رئاسيتين كل منهما أربع سنوات) واعتزل الحكم وعاش كمواطن بسيط، لكنه رمز محبوب من شعبه، واستمرت جنوب أفريقيا في الحفاظ على ديمقراطيتها وازدهارها الاقتصادي.

نأمل أن يحتذي القادة الجدد في زيمبابوي بتجربة جارتهم جنوب أفريقيا وأن يبتعدوا عن الحكم السلطوي، ولدينا تجارب مريرة في الوطن العربي مع حكم العسكر الذين أفقروا بلدانهم الغنية ورفضوا التخلي عن السلطة على مدى عقود من الزمن، رغم قيام الحروب الأهلية التي قتلت وشردت ملايين البشر في بلدانهم.