عائشة المري 

وضعت استقالة سعد الحريري نهاية لحالة الجمود السياسي في الوضع اللبناني التي بدأت منذ أكتوبر 2016 بعد أن فشل اتفاق الرئاسة اللبنانية للجنرال ميشال عون في مقابل رئاسة الوزراء لسعد الحريري، ويدير نصر الله و«حزب الله» البلاد فيما تتخذ القرارات المصيرية في طهران وهو ما عبر عنه الرئيس الإيراني حسن روحاني الشهر الماضي بإعلانه عن تبعية القرار السياسي في بيروت لطهران قائلًا: «لا يمكن في الوقت الحاضر اتخاذ إجراء حاسم في العراق وسوريا ولبنان وشمال أفريقيا ومنطقة الخليج من دون إيران». وسارع رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري بالرد على روحاني عبر تغريدة على تويتر: «قول الرئيس الإيراني حسن روحاني إنه لا قرار يُتّخَذ في لبنان من دون إيران مرفوض ومردود لأصحابه»، مؤكداً أن «لبنان دولة عربية مستقلة لن تقبل بأي وصاية، وترفض التطاولَ على كرامتها». وتطرح استقالة الحريري تساؤلاً محورياً حول مستقبل لبنان.

لقد بدأت إيران التدخل في الشأن اللبناني أثناء الحرب الأهلية، حيث تأسَّس «حزب الله» في لبنان عام 1982 على يد «محمد حسين فضل الله»، و«صبحي الطفيلي»، و«حسن نصر الله» و«إبراهيم الأمين» و«عباس موسوي» و«نعيم قاسم» و«زهير كنج» و«محمد يزبك» و«راغب حرب»، ولكنه دخل معترك السياسة عام 1985، وفي البيان التأسيسي للحزب، الذي جاء بعنوان «من نحن، وما هي هويتنا؟» عرّف الحزب عن نفسه فقال: «..إننا أبناء أمّة حزب الله التي نصر الله طليعتها في إيران، وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزيّة في العالم... نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة عادلة تتمثّل بالولي الفقيه الجامع للشرائط، وتتجسد حاضراً بالإمام المسدّد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني دام ظلّه مفجّر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة..»!

وقد عملت إيران على استخدام الورقة الطائفية والدينية كأداة لتحقيق مصالحها في المنطقة العربية عن طريق دعم الأقليات الشيعية في الدول العربية والخليجية سياسياً وثقافياً، وإذا ما وجدت الفرصة متاحة لها في أي دولة، فإنها تحاول إنشاء أحزاب سياسية أو ميليشيات عسكرية تعمل على تحقيق مصالحها في هذه الدول لتحقق الهيمنة والسيطرة وبسط النفوذ، عبر وسيلة المذهب الشيعي. مما يوفر لإيران عوامل القوة التي ترتكز على مفهوم الدفاع عن أمنها القومي خارج حدودها، فعمدت إلى تشكيل مجموعة من الحركات المؤيدة لها كـ«حزب الله» في لبنان، والمتمردين الحوثيين في اليمن وما سمي «أحزاب الله» في بعض الدول الخليجية وغيرها. وعملت على بناء ما أسمته «مصدات دفاع مذهبي» خارج حدودها الجغرافية، تمتد من إيران إلى العراق مروراً بسوريا ولبنان، وصولاً إلى اليمن، هذه الدول التي تشهد حضوراً ملحوظاً للشيعة، فاستثمرت مواردها وأموالها في زرع خلايا وأذرع أيديولوجية تأتمر بأمر قادة «الحرس الثوري» الإيراني، وتقفز في ولاءاتها على الحدود والولاءات الوطنية، وهي تمثل في المنظور الإيراني نقاط ارتكاز يمكن من خلالها دعم عملية التمدُّد المذهبي الذي يعزز بدوره المجال الحيوي المذهبي الإيراني. وعبر السنوات الماضية تمكنت طهران من تحقيق بعض أهدافها المتعلقة بإنشاء كيانات مساندة لها في المنطقة، على شاكلة «حزب الله» في لبنان، والحوثيين في اليمن، والسيطرة التامة على العراق، لإضعاف هياكل الدول القائمة بهدف سيطرة الميليشيات على القرار السياسي، بالإضافة إلى تأجيج تمرد الكيانات والطوائف الشيعية على حكامها في عدد من الدول الأخرى.

واليوم تشير استقالة الحريري إلى أن استمرار الوضع الراهن في لبنان غير مجدٍ، ويعرف لبنان جيداً أن الطائفية والمذهبية حالة خاصة وهي ليست بالحالة السلبية بالضرورة إذا ما أحسن التعامل معها في إطار التعددية والتنوع الذي لا يشكل في الأساس تهديداً للأمن القومي للدول، ولا لاستقرار المنطقة. ولكن الاحتقان الطائفي الحالي، والتفكك العنيف لعدد من دول المنطقة، يؤكد الحاجة للمراجعة، ففي الحالة اللبنانية فالدولة بحاجة اليوم إلى صيغ جديدة لتقاسم السلطة والوفاق الطائفي، ولتحجيم التدخل الخارجي، فالحل الأمثل لإفراغ الجماعات الطائفية من مصادر قوتها هو في تكريس الاستقرار والوحدة الوطنية والتأكيد على الولاء للوطن ومبدأ المواطنة كضمان للاستقرار والأمن.