رندة تقي الدين

 من واكب عهد الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك يرى الكثير من شبه في نهجه على الصعيد الديبلوماسي مع الرئيس الشاب إيمانويل ماكرون. فاعتمد شيراك نهج الديبلوماسية الشخصية أي أنه بنى العلاقات الديبلوماسية على أساس معرفة شخصية وعن قرب بقادة العالم.

واعتمد هذا النهج الناجح طيلة ولايتيه ليس فقط مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري بل أيضاً مع ملك المغرب الحسن الثاني وياسر عرفات الذي كان يسميه الدكتور شيراك وملوك وأمراء السعودية الراحلين الملك فهد بن عبدالعزيز وولي العهد الراحل الأمير سلطان بن عبدالعزيز والملك عبدالله إضافة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان الذي كان صديقاً لشيراك عندما كان أمير الرياض ومعظم قادة منطقة العالم. والحقيقة أن علاقات شيراك بقادة العالم تستحق موضوع كتاب. وها هو الآن الرئيس الفرنسي الشاب ماكرون يعتمد النهج نفسه في ديبلوماسيته، علماً أنه جديد على الساحة الدولية مع تحرك سريع وذكي وإلهام مميز. فعندما شعر أن الحرب في لبنان على الأبواب بعد استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري بسبب التوتر الخليجي مع إيران وتخوف من اندلاعها في بلد صديق فيه مليون ونصف نازح سوري، أسرع لمنع إشعال النيران في الشرق الأوسط. فزار الإمارات وولي عهدها الأمير محمد بن زايد، ثم السعودية للقاء والتعرف إلى ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان، ثم دعا سعد الحريري وعائلته لزيارة فرنسا وكان اتصل بالرئيس اللبناني ميشال عون. واتصل بكل من عرفهم بمن فيهم قادة إيران وإسرائيل في مسعى لتهدئة الأوضاع ومنع اشتعال نيران الحرب في لبنان التي كادت تكون على الأبواب بسبب الأعمال الحربية التي قامت بها إيران في منطقة الخليج.

أنقذ ماكرون لبنان من الحرب ولو أن لبنان سيدخل في مرحلة أزمة سياسية قد تكون طويلة بعد استقالة الحريري. وماكرون طيلة هذه الأزمة التي لن تنتهي بسهولة وقد تطول، أوصى الجميع في لبنان بالنأي بالنفس عن أزمات المنطقة وهو مستمر في اتصالاته لمساعدة لبنان. وأصر على وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل عندما استقبله كمبعوث للرئيس عون على ضرورة تحييد لبنان من أزمات المنطقة وعدم التحيز لسورية و «حزب الله» لأن ذلك ليس في مصلحة لبنان. ونصيحة ماكرون كانت لباسيل الذي قال له إن «حزب الله» يمثل شريحة كبرى وأساسية في البلد، ولكن لا يجوز أن يكون الحزب صاحب كل القرارات اللبنانية على الصعيد اللبناني والدولي بسبب حلفه مع حزب الرئيس عون الذي يترأسه باسيل. ولسوء حظ لبنان أن الأزمات الإقليمية وهيمنة سورية وعائلة الأسد الأب والابن الماضية في لبنان وتركه من دون مساندة ودعم تركت «حزب الله» يصبح الركن الأقوى في معادلة القوى في لبنان. وحزب الله أبعد لبنان بتدخلاته في سورية واليمن والبحرين عن مبدأ النأي عن الأزمات. وإصرار الرئيس الفرنسي على النأي بالنفس هو من أجل حماية لبنان الذي تربطه بفرنسا وبرئيسها علاقات صداقة وود. وهذا الرابط القوي بين البلدين جعل ماكرون يدعو الرئيس اللبناني في زيارة دولة كانت الأولى في عهده. وعندما استقبل وزوجته بريجيت الحريري وزوجته لارا وابنهما البكر حسام أمام حشد من الإعلام العالمي أظهر معالم صداقة حميمة ممسكاً يد الحريري ومقبلاً العائلة كأنهم أفراد عائلته. وفجأة عاد لبنان إلى تصدر عناوين واهتمام الصحافة العالمية مع التركيز على دور ماكرون.

إن براعة الرئيس الفرنسي الشاب التي أوصلته إلى الرئاسة، في وقت كانت الأكثرية تراهن على أنه لن يصل، تظهر يوماً بعد يوم على الصعيد الخارجي وبدأت أيضاً داخلياً حيث بدأ ينفذ إصلاحاته. وماكرون عازم على الاستمرار في دوره على الساحة الدولية، فهو سيزور لاحقاً إيران ويقول لهذا البلد ما يراه منه بسياسة هجومية وزعزعة استقرار في الخليج ولبنان وسورية والعراق ويحاول على الأقل إقناعه بالتغيير. وسيستمر في محاولة العمل من أجل المساهمة في حل الأزمات. وهو يحاول مثلاً في سورية على رغم الصعوبة والعوائق وعلى رغم قدرة محدودة بالنسبة لروسيا والولايات المتحدة في الحرب السورية. ولكن تحركه السريع وديناميكيته وشبابه قد تساهم في نجاحه، خصوصاً أن الدول الأوروبية تعاني من أزمات سياسية: فبريطانيا والبريكزيت في مأزق وألمانيا في مشكلة ومستشارتها أنغيلا مركل غير قادرة على تأليف حكومة وإسبانيا تواجه مشكلة كتالونيا، فتبقى فرنسا ماكرون الأجدر حالياً للتحرك على الساحة الدولية.