وليد شقير

اختُصرت الأزمة السياسية اللبنانية بعبارة «النأي بالنفس» عن حروب المنطقة، للدلالة على أنها أزمة علاقات لبنان بالدول العربية، وسط مراهنة على أن يتمكن الفرقاء اللبنانيون من إيجاد آلية تعيد الاعتبار إلى هذا المبدأ الذي تحول شعاراً من دون أي تقيّد به.

لكن هذه المراهنة ستكون سراباً إذا تُرك الأمر للفرقاء الداخليين وحدهم أن يتصدوا لها. ومثلما أن الاعتراض على خرق هذا المبدأ بفعل تدخل إيران و «حزب الله» في دول عربية عدة، هو عربي، (كما تجلى في القرار الأخير لوزراء الخارجية العرب الأحد الماضي) وخليجي وسعودي وغربي، يصعب الاقتناع بأن العودة إلى التزامه يمكن أن تتم من دون أن تقرر طهران فرملة سياستها التوسعية في المنطقة. هذا يقود إلى أن «التسوية» الجديدة التي تنقذ لبنان من أزمته يفترض أن تكون إقليمية أولاً وقبل أي تسوية داخلية بين الأحزاب اللبنانية على إعادة الاعتبار للنأي بالنفس فعلاً.

قد يجافي رد المسألة إلى المعادلة الإقليمية، الحقيقة القائلة أن على الداخل اللبناني أن يتحمل قسطاً من المسؤولية في «النأي بالنفس»، لأن فريقاً لبنانياً هو «حزب الله» يشكل أداة إيران لتوريط لبنان في الإقليم، إلا أن هذا لا يلغي أن قرار الحزب في طهران مهما منحته الأخيرة من هامش حركة، لحساباته المحلية وبيئته الداخلية، إذا كان قادراً على تجنيب تلك البيئة ردود الفعل الخارجية على انغماسه في الحروب التي يخوضها الحرس الثوري الإيراني في عدد من الساحات العربية، أو إذا كان راغباً في ذلك. 

وقد يراهن بعضهم على أن يؤدي الضغط العربي والدولي على الداخل اللبناني إلى دفع الحزب إلى خيارات تجنب بيئته ولبنان ردود الفعل على انغماسه في الحروب. إلا أن أي احتمال كهذا يبقى القرار النهائي فيه لطهران، ولحساباتها الإقليمية. فالتماهي بين الحزب وطهران مسألة عقائدية ودينية ومصيرية أقوى من الاعتبارات اللبنانية. وفي بعض سلوكه يبدو الحزب شأناً إيرانياً داخلياً أكثر مما هو لبناني، على رغم تكرار خصومه القول أنه يمثل شريحة من اللبنانيين وطائفة احتضنت مقاومته إسرائيل وإجبارها على الانسحاب من لبنان عام 2000، ثم منعها من تحقيق أهدافها عام 2006. 

الهوية السياسية الإيرانية للحزب، تطغى على عروبته ولبنانيته. وإذا كان قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري لم يكتفِ بموقف قيادة الحزب حول احتفاظه بسلاحه، فأكد أمس أن «نزع هذا السلاح أمر غير وارد»، فإن خطاب الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله الإثنين الماضي لم يغفل في مقدمته في معرض مواساة الشعب الإيراني بضحايا الزلزال الذي تسبب بضحايا في كرمنشاه الإيرانية أن يفرد 4 فقرات من أجل امتداح السلطات الإيرانية والمرشد لطريقة تعاطيها مع المحنة. وأفرد سطرين من كلمته التي كانت مخصصة للأزمة الحكومية اللبنانية، للإشارة إلى ضحايا الزلزال في الجانب العراقي. الحزب نفسه يعتبر نفسه قوة إقليمية ولا يقبل بتقزيمه عبر لبننته.

هل يوحي المشهد الإقليمي والدولي بإمكان أن تسمح طهران بأن «ينأى» الحزب «بنفسه»، وأي من حروب الدول التي تعتمد فيها على الحزب، يمكن إعفاؤه من مواصلة انغماسه بها؟

يستند بعض المراهنين على تسوية ما تجنب لبنان تلقي الانعكاسات الكارثية لتورط الحزب، إلى إشارة أطلقها نصرالله في خطابه عن إمكان قيامه بمراجعة بعد هزيمة «داعش» في العراق واستعادة معبر البوكمال من التنظيم، تفضي إلى نقل «قياداته وكوادره من العراق إلى ساحات أخرى»، للأمل بانكفاء ما، لتجنيب لبنان ردود فعل كارثية. ويستند البعض الآخر إلى القمة الروسية- الإيرانية- التركية في سوتشي أول من أمس التي بحثت بدء مرحلة الحل السياسي، بعد اجتماع فلاديمير بوتين مع بشار الأسد، والتي ركزت على إطلاق العملية السياسية، «لأن نتائج الحرب على الإرهاب تحققت في سورية». وثمة قراءة توحي بأن إعلان بوتين انتهاء الحرب وإشارته إلى الحاجة لتنازلات، غطاء لدعوته الأسد إلى أن يطلب من القوات الحليفة، والمقصود إيران، أن تبدأ الانسحاب مشكورة، على إنجاز المهمة. وبهذا يكون بوتين حقق ما يطالب به دونالد ترامب، والعرب.

إذا صحت هذه المراهنات، فإن ما قاله حسن روحاني في سوتشي عن أن سورية لن تسمح للأجانب بالتدخل في شؤونها، يضع شرط الانسحاب الأميركي مقابل مطلب انسحاب إيران، هذا إذا لم يقصد شريكه على الطاولة، تركيا أيضاً. أما أن ينأى «حزب الله» بنفسه عن اليمن فنصرالله نفى وجوده هناك.

النأي الإيراني بالحزب عن الحروب إذا حصل، له مقدمات كثيرة.