يوسف مكي

اختار الإرهاب هذه المرة، جمهورية مصر العربية، لتكون هدف تخريبه، والمكان موقع لعبادة الواحد الأحد، في مسجد بقرية الروضة في سيناء، ليتأكد مرة أخرى، أن الإرهاب لا يستهدف بلداً بعينه، وأنه عدو للأمن والسلم والاستقرار، وعدو للحياة في كل مكان. والضحايا أكثر من ثلاثمئة شهيد، وعدد كبير من الجرحى. 


أسئلة كثيرة تطرح حول أهداف هذه العملية الإرهابية، وهي أسئلة مشروعة، ذلك لأن أي عمل تخريبي من هذا النوع، وبتنوعه وشموله، لا بد وأن تقف خلفه قوى عاتية وغاشمة، لديها برامجها وأجنداتها، ولديها من القوة، ما يمكنها من توفير مستلزمات التخريب، بمعنى أن سلوك الإرهاب، وإن بدا عبثياً فإن هناك أهدافاً سياسية خلفه، شأنه في ذلك شأن كل الحروب، التي تصبح من غير السياسة عدمية وليس لها معنى. 
كثيرة هي التفسيرات والتعليلات، منها أن العملية الإرهابية الأخيرة، هي معاقبة لمصر، لدورها في تحقيق المصالحة بين «حماس» و«فتح» مؤخراً. ومنها أن العملية الإرهابية هي استمرار للعمليات الإرهابية التي تصاعدت في مصر، منذ أطيح بالإخوان المسلمين.. وكل يطرح أسباباً تتماهى مع هواه ورغباته، وكل يغني على ليلاه.
المؤكد أن التنظيمات الإرهابية، باتت خطراً متحققاً على العالم بأسره، وأنها لا تميز بين نظام شمولي أو ديمقراطي، أو أي شكل آخر من النظم السياسية. وقد باتت أشبه بالتنظيم العالمي. إن ذلك يطرح أسئلة مشروعة حول سر قوتها واستمراريتها، ومن هي القوى التي تقدم لها الدعم. فهي لم تنزل لنا من المريخ، وإنما تنطلق من هذا الكوكب، ومن بيئات اجتماعية ومواقع جغرافية مختلفة. 
الشيء الذي يشي بأن هذه التنظيمات لا تعمل لجهة واحدة بعينها.
إنها تقاتل بلداناً تختلف في سياساتها، حتى التناقض. بمعنى أنها تقاتل ضد الشيء ونقيضه، بما يعني أنها تنفذ أجندات وسياسات مختلفة. وأنها مشروع تأجير لمن يدفع أكثر. وبضاعتها هي القتل والتخريب. وضحاياها من كل الأديان والطوائف، ولا تمييز بين أحد منها، لقد باتت تنظيمات الإرهاب، تشكل خطراً حقيقياً على الأمن القومي العربي، وعلى الكيانات الوطنية، وعلى حاضر ومستقبل شعوب هذه المنطقة بما يستدعي وقفة صلبة تجاهها. 
وفي هذا السياق، نخاطب أشقاءنا في المعارضات العربية، وبشكل خاص في أرض الكنانة، بأن ما يتعرض له أمننا القومي، يفرض تجنب التعليل والتبرير لعمليات الإرهاب، لأنها ببساطة، لا تميز بين الأنظمة الشمولية وغيرها من الأنظمة. إن المطلوب، من المثقفين والسياسيين، بشكل خاص هو إدانة واضحة وصريحة، للإرهاب بكل أشكاله وصنوفه. وعندما يتم إلحاق الهزيمة النهائية بالإرهاب، يكون لكل حدث حديث. 
لا بد من أجل القضاء المبرم على الإرهاب، من محاصرة قنوات تمويله، وتحديد من هي القوى الداعمة له، واعتبارها شريكة في حرب إبادة ضد الإنسانية. كما لا بد من العمل المشترك، لاقتلاع جذوره الفكرية، اقتلاعاً شاملاً. وعدم تعريض الساحة الفكرية للفراغ. ثقافة التنوير والتسامح، ينبغي أن تكون البديل لثقافة التطرف والتكفير. ففي مناخ حرية السجال والفكر، واحترام الكرامة الإنسانية، تتقهقر أفكار الجمود والتكلس، ويهزم الفكر المتطرف.
ليس ذلك فحسب، بل لا بد من استراتيجية سياسية عربية، واقعية وعملية، لإلحاق الهزيمة النهائية بالإرهاب، تجتمع حولها كل القوى المتضررة منه، وتكون استكمالاً لميثاق العمل العربي القومي، ومعاهدة الدفاع العربي المشترك، التي تعطلت طويلاً، وباتت مطلوبة في هذه المرحلة، بشكل يصل إلى حد الضرورة التاريخية، لأخذ مكاننا اللائق بين الأمم، في حقبة تحولات عالمية كبرى، في موازين القوة، بدأ مخاض ولادتها بالسنوات الأخيرة. ولن يكون بعيداً الوقت الذي يعلن فيه عن انبثاق نظام عالمي جديد، لعل حربنا على الإرهاب، وإلحاق الهزيمة به، تكون مفتاحنا للانخراط فيه.
نحن جميعاً في واقع الحال، بحاجة ماسة للتسامي، فوق جراحاتنا، وإعادة الروح للنظام العربي، الذي تعطل بفعل صراعاتنا حول خريف الغضب، الذي مر عليه، قرابة سبع سنوات، وبات الآن يلفظ أنفاسه في كثير من المواقع، بعد أن استنزف منا شلالات الدم، والمال وتخريب المدن العريقة، ومصادرة الأوطان. 
لقد أكدت لنا التجربة التاريخية، أننا نكون أقوياء حين نتحد، وأن فرقتنا هي وبال على الأمة، وعلى حاضرنا ومستقبلنا. كما أكدت تجربة محاربة الإرهاب في العقدين الأخيرين، أن من المستحيل القضاء المبرم على الإرهاب، بدون استراتيجية عالمية مشتركة. ولأننا نحن العرب أكثر ضحايا جرائم الإرهاب، فإن مسؤولية التصدي له جماعياً، تقع بالدرجة الأولى على عاتقنا. ولن يكون بمقدورنا تحقيق ذلك في ظل التشظي والتشرذم الراهن. 
إن الوضع السياسي الدولي الراهن، وتفاهمات القوى الإقليمية، والدولية، تخلق مناخاً مناسباً لتحقيق هذا الهدف. وعلينا أن نقتنص هذه اللحظة لنعيد ترتيب أوراقنا، بما يخدم مصالحنا الوطنية والقومية.
حمى الله أرض الكنانة وشعبها، من كل سوء وشر، والرحمة للشهداء، والمواساة لأهلنا في سيناء، وجميع أنحاء مصر، شهداؤنا في عليين وقتلى الإرهاب في مزبلة التاريخ.