حسام عيتاني

مقاطع الفيديو الثلاثة التي استعارها الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الناشطة البريطانية اليمينية المتطرفة جايدا فرانسن، وتظهر ما يقولان إنه اعتداءات من مسلمين على أبرياء وعلى مقدّسات مسيحية، تبدو خارج سياق التغريدات السابقة واللاحقة عليها، من حساب ترامب على «تويتر».

تتناول كل التغريدات المذكورة الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة والنتائج الطيبة للنمو في ربع السنة الأخير، وتتضمن هجمات على الديموقراطيين بسبب اعتراض بعضهم على مشروع تقليص الضرائب الذي ينظر الكونغرس فيه، إضافة إلى انتقادات قاسية لصحيفة «نيويورك تايمز» التي اختتمت افتتاحيتها أمس حول التخفيضات الضريبية بالقول إن «التغييرات في السياسة (الضريبية) التي جرى تهريبها في مشروع القانون لإرضاء كبار مانحي الأموال الجمهوريين (وكانت الافتتاحية ركزت على الدور المدمر الذي يؤديه الأخوان كوك)، ما كانت لتنجو من عملية رقابية أكثر شفافية. وسيذكر التاريخ (أعضاء الكونغرس) بصفتهم الحقيقية: محتالون صغار سعوا إلى الفوز برضى المحتالين الكبار». بل إن تغريدتين لترامب عن فصل المذيع الشهير مات لاور من محطة «إن بي سي» لاتهامه بالتحرّش الجنسي، حوّلهما الرئيس إلى سبب للهجوم على وسائل الإعلام المروّجة لـ «الأنباء الزائفة».

أمام هذا الانشغال بمسائل داخلية وخصوصاً قانون تخفيض الضرائب الذي اعتبره عدد من المعلقين الأميركيين البداية لتغيير كبير وغير مدروس سيؤثر سلباً في أبسط وجوه الحياة لأكثرية المواطنين، تظهر الفيديوات الثلاثة عن الإسلام المتشدد والمهاجرين مِن سياسية بريطانية مغمورة بمثابة النغمة الناشزة. وبعد نفي السلطات الهولندية أن يكون الشخص الظاهر في فيديو يعتدي فيه بالضرب على آخر يتكئ على عكاز مهاجراً، موضحة أنه مولود في هولندا من دون أن تشير إلى دينه، يبقى مقطعان: واحد من مصر لرمي متطرفين شاباً من سطح مرتفع، وآخر من سورية عن تحطيم تمثال للسيدة مريم العذراء من قبل ملتحيِن قد يكونون من عناصر»داعش» أو «النصرة» أو ما يعادلهما.

لا ينطوي نشر الفيديوات المحذرة من خطر المسلمين والمهاجرين على موقف جديد من ترامب. آراؤه معروفة في مواضيع الهجرة والمسلمين والإرهاب، ولم يدخل عليها أي تعديل. الأرجح أن المقاطع المصورة تأتي في سياق محاولته استغلال المواضيع هذه في صراعه ضد معارضيه الديموقراطيين في مشروع قانون تخفيض الضرائب وتوجيه رسالة إلى الأميركيين عن العالم المتوحش الدموي في الخارج الذي يحميهم هو منه ومن خطر وصوله إليهم. 

ذلك أن التخفيضات الضريبية تأتي بعد الاقتطاع الحاد من المخصصات المالية الرامية إلى دمج المهاجرين غير المسجلين في الموازنة الأميركية الأخيرة. عليه، يجوز وضع الهجوم على الصحافة الناقدة لسياساته والتحذير من توقف عمل الحكومة إذا لم تُلبَّ طلباته في شأن الاقتطاعات الضريبة والتهليل لزيادة النمو العام. إلى جانب مقاطع الفيديو المحذرة من خطر الإسلاميين، إنها سياسة واحدة متعددة الجبهات تهدف إلى إعادة تشكيل عميقة للداخل الأميركي بما يناسب طموحات كبار المتمولين: مهاجرون أقل، تدخل أقل في السياسات الخارجية ما دام لا يؤثر مباشرة في المصالح الأميركية، تعميم ثقافة الانغلاق والانعزال والاستعلاء الشوفيني على الآخرين.

المسلمون والمهاجرون في هذه الخريطة مجرّد تفصيل صغير استُخدم لضرورات درامية.