رندة تقي الدين

 إن عودة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري عن استقالته أمر مطمئن للبنان بعد التوصل مع الرئيسين ميشال عون ونبيه بري إلى ضرورة نأي لبنان عن الصراعات الإقليمية والتدخل في شوؤن أشقائه العرب. هذا الالتزام الجديد ينبغي أن يكون جدياً وألا تكون تطورات اليمن الأخيرة مع مقتل علي عبدالله صالح فرصة لوكيل إيران «حزب الله» في لبنان أن يستمر في تدخله إلى جانب الحوثيين وتدريبهم ووضع لبنان ومؤسساته في خطر. لبنان لم يعد يحتمل صدامات وحروباً. ولولا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لكانت توترات المنطلقة اندلعت في لبنان. ويوم الجمعة تعقد الدول الداعمة للبنان اجتماعاً برئاسة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان وبحضور مؤكد للوزير الأميركي ريكس تيلرسون لتأكيد أن فرنسا وأميركا والدول الأعضاء في مجلس الأمن حريصة على بقاء لبنان مستقراً وآمناً في منطقة تحيطه بنيران الحروب والتوترات التي هو بغنى عنها.

وكانت فرصة أول من أمس لبعض الصحافيين و»الحياة» من بينهم، للتحدث مع الرئيس الفرنسي ماكرون حول تحركه النشط إزاء لبنان ودعمه الرئيس الحريري. فقد أكد رغبته في الاستمرار في ذلك. فلبنان ليس متروكاً دولياً بفضل ماكرون وبعض الديبلوماسيين الأميركيين النشطين في الدوائر الأميركية المسؤولة ومن بينهم سفيرة أميركا في لبنان إليزابيت ريتشارد الحريصة على ألا يشهد لبنان المزيد من زعزعة الاستقرار. ولكن المهم أن يدرك «حزب الله» أنه حان الوقت ليغير سياسته ويوقف تدخلاته في المنطقة من حربه في سورية وتدخله في اليمن حيث يدرب الحوثيين الذين تمدهم إيران بالسلاح كي يريح لبنان بعض الشيء. فأي مقاومة هذه التي يتحدث عنها حسن نصرالله وهو يقاتل في سورية وفي اليمن لحساب إيران؟ وهل هو رهينة لإيران إلى حد أنه مستعد لزعزعة أمن لبنان للتدخل في اليمن؟

إن التسوية التي مكنت الحريري من العودة عن استقالته أتت بفضل توحيد جهود الرؤساء عون والحريري وبري لإدراكهم الخطر. فحلف عون وبري مع «حزب الله» قد يكون مفيداً إذا التزم الحزب عدم التدخل في اليمن. ولكن الوضع السياسي الإقليمي وتداعياته على لبنان تجعل التزام النأي عن الصراعات بالغ الهشاشة على رغم خطورته. ولا شك أن لبنان بحاجة ماسة إلى النأي عن الصراعات لأن هذا البلد عاش حرباً أهلية مدمرة وصفها في كتابه أستاذنا الراحل غسان تويني الحرب من أجل الآخرين. فلبنان اليوم بغنى عن حرب للآخرين. فلتحاول هذه الحكومة بعد التسوية والالتزام الجديد أن تنظر في حاجات شعب مستاء من طبقته السياسية يتطلع إلى الحصول على أوضاع معيشية توفر له الكهرباء والصحة البعيدة من تراكم النفايات وعلى الإنترنت للعمل وهذه أدنى الأمور المطلوبة، والحكومة حتى الآن فشلت في شكل ذريع في ذلك. فعلى رئيسها أن يستفيد من استعادة شعبية كبرى بعد ما حصل ومن وحدة الصف كي يطلق ورشة عمل سريعة يستفيد منها شعب متعطش إلى عيش كريم في بلد يتمنى أبناؤه البقاء فيه وعدم مغادرته للعيش في الخارج. فعلى «حزب الله» أن يفهم أنه حزب لبناني أولاً وأنه لا يمكن أن يبقى الوكيل الدائم لإيران لأنه عاجلاً أو آجلا سيكون ذلك على حساب اللبنانيين وليس من مصلحة كل الطوائف فيه.

إن «حزب الله» قد يكون الركن الأقوى في المعادلة العسكرية في لبنان مثلما هو في سورية على الأرض دفاعاً عن الأسد ضد الشعب السوري، ولكن السيطرة بالقوة لا تعني النجاح. فما معنى تدمير سورية وقتل وتهجير شعبها وبقاء الأسد؟ وما معنى دعم الحوثيين على حساب لبنان؟ فحان الوقت أن يراجع «حزب الله» حساباته ويجعل من هذه التسوية والالتزام الجديد توجهاً جدياً بهذا المعنى.