محمد الرميحي

 ربما لم يصطف الكويتيون حول فكرة أو حدث منذ الغزو العراقي للكويت عام 1990، كما فعلوا خلف الترحيب بفكرة عقد القمة الثامنة والثلاثين لمجلس التعاون في الكويت الأسبوع الماضي، على الرغم من أنه في الأوقات العادية ينقسم الجسم السياسي الكويتي حول ما حققه أو لم يحققه مجلس التعاون، للشعوب المنضوية تحت لوائه من إنجازات، مع كثير من النقد.. كان ذلك الشعور الجمعي الإيجابي في الترحيب بدعوة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد إلى القمة، نابعاً من الإحساس بدقة الموقف وخطورته، والخوف على الكيان، بعد الخلاف الذي صدع عمل مؤسسات المجلس في الفترة السابقة، والذي استمر حتى موعد الانعقاد أكثر من ستة أشهر كاملة. 

كان الأمل يحدو الكويتيين وعدداً كبيراً من أبناء مجلس التعاون في أن تكون القمة فرصة مناسبة للم الشمل، والتوافق على مسيرة جديدة، تحفظ للمجلس وشعوبه حداً أدنى من الأمن والسلم، في منطقة تزداد الحرائق فيها اشتعالاً، والشعوب تمزقاً، إلى درجة الحديث في بعض الأوساط عن «سايكس بيكو» جديدة، تُقسم المنطقة المحيطة أكثر مما هي مقسمة، وتنشر في المنظومة العربية كثيراً من الشقاق، والقوى السياسية المسلحة ما دون الدولة، التي تعبث بالأمن الجماعي، وتنتشر انتشار النار في الهشيم. 
لم يتحقق المرغوب كامله من تلك القوى، إلا أنها ما زالت تحاول؛ إذ إن عقد القمة الخليجية بحد ذاته، وفي موعده، وفي حضور ممثلين للجميع، يشهد من جديد على قدرة رجل الدولة الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت، وأنه وجد بثاقب بصيرة سياسية، أن مجرد انعقاد القمة بحضور الجميع وبتوقيتها المعتاد، هو حرص على «الكيان مهما عصفت بنا أحداث سلبية» وهي رغبة رسمية وشعبية، بأن تبقى هذه المؤسسة واقفة على أرجلها، وإن شابها بعض الضعف؛ لأن ذلك الضعف قد يكون مرحلياً، ويجب ألا ننسى أن القادة طوال المسيرة أبحروا بشعوبهم وسط الحرائق، ومشوا بهم ومعهم وسط متغيرات إقليمية ودولية شديدة الوعورة.
الترابط الجغرافي، والتاريخ المشترك، والموروث الثقافي، وتماثل الأنظمة السياسية، والروابط الاجتماعية، والمصالح المشتركة، كلها معطوفة على التحديات الأمنية العظيمة، جعلت من هذه المنظومة السياسية (مجلس التعاون) تجربة تكاملية مميزة، وأصبحت نموذجاً لتكامل إقليمي يشكل الأمل في احتمال تكراره لدى مناطق جغرافية وسياسية وشعوب أخرى، كما تشير إليه أدبيات التعاون الدولي بكثير من الإيجابية.
علينا أن نتذكر أن دورة التحديث التي طالت دول مجلس التعاون منذ إنشاء تلك المنظمة، هي دورة غير مسبوقة في حياة الشعوب، فقد انتقلت من شبه الكفاف إلى يسر اقتصادي، ومن شبه أمية إلى تعليم واسع، ومن إدارة متواضعة إلى إدارة حديثة، ترغب دول ومجتمعات أخرى في أن تحذو حذوها، وأهم ما حدث لهذه المجتمعات أنها تنتقل من مؤسسات قبلية - إن صح التعبير - إلى مؤسسات حديثة ومواطنة، وتلعب دوراً حضارياً على مستوى العالم. 
لقد تحقق في المجال الاقتصادي منذ إنشاء المجلس - على سبيل المثال - نجاحات مشهودة، فقد بلغت التجارة البينية بين دول المجلس منذ الاتفاق على الاتحاد الجمركي عام 2003 حتى عام 2012، خمسة عشر ضعفاً، كما بلغت التراخيص الممنوحة للمواطنين للعمل في النشاطات الاقتصادية في الدول الأخرى من 16 ألفاً عام 1995 إلى 40 ألفاً في عام 2012 (الأرقام المتوفرة، وربما زاد ذلك العدد في الخمس سنوات المنصرمة)، أما امتلاك العقارات والأسهم، فقد قفز من خمسة آلاف مواطن عام 1995 إلى نصف مليون مواطن مستفيد عام 2012 (كل تلك الأرقام تعني الفائدة المشتركة في القطاع الاقتصادي، وكان مؤملاً بعد إنشاء اللجنة الاقتصادية المركزية العام الماضي - قبل أن تندلع الأزمة - برئاسة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أن يتطور العمل الاقتصادي لتصبح سوق الخليج سوقاً واحدة. ذلك فقط في المجال الاقتصادي المباشر.
على الصعيد التنظيمي، هناك ثماني مؤسسات عاملة لتعضيد العمل المشترك، لها أجهزة وظيفية وأمناء عامون، منها هيئة التنسيق الصناعي، وهيئة المقاييس، والتعليم، والصحة، والشؤون الاجتماعية، والربط الكهربائي والمواصلات، وهناك عدد من اللجان الوزارية الدائمة التي تنسق فيما بينها في المجالات الخاصة بها.
وعلى الصعيد العسكري والأمني، هناك أجهزة فنية وأعمال مشتركة، سارت شوطاً كبيراً في التنسيق والتعاون، منذ توقيع اتفاقية الدفاع المشترك. 
أما على الصعيد الاستراتيجي، فقد أصبح لمنظومة مجلس التعاون صوت في المفاوضات الدولية والمشتركة، قادر على الدفاع عن مصالح المنظومة وحقوق أبنائها. كما أصبحت صوتاً فاعلاً للدفاع عن الاعتدال، والمساهمة في إطفاء الحرائق والتعاون الإنساني الدولي، وسط الاضطراب المشاهد في «الحمق الآيديولوجي» وشهية التوسع الإقليمي، من هنا فإن خروج أي من وحدات مجلس التعاون، خاصة الصغيرة، عن السرب، يعرضها لنهش «الذئاب الدولية» من جهة، كما يعرض جيرانها للخطر والاختراق. 
من هنا جاء حرص القيادة الكويتية، معضدة بطيف واسع من العاملين في الشأن العام في الكويت، على الدعوة إلى القمة، أولاً حفاظاً على المسيرة، وأيضاً من أجل متابعة تحقيق الأهداف الأخيرة، التي من بينها تحصين دول المجلس من التهديدات الأمنية المحيطة، وزيادة وتيرة النمو الاقتصادي، والإشارة إلى المخاطر الشاخصة التي تهدد الجميع. 
ولعل المتابع للكلمة الافتتاحية التي ألقاها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد في افتتاح أعمال القمة، وأيضاً البيان الصادر، يتعرف على المحاور التي تشغل بال المنظومة، على رأسها الطلب الواضح من إيران أن تكف عن تدخلاتها، والتي لا تتعامل مع المنطقة على ما تقتضيه الأعراف الدولية والقوانين من احترام الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. كما أردف الخطاب أن المنطقة لن تعرف الاستقرار، ما لم يتم الالتزام الكامل بكل تلك الأعراف والقوانين الدولية. 
ومن طرف آخر، أشار الخطاب إلى الكارثة في سوريا، مشيداً بدور المملكة العربية السعودية في لم شمل المعارضة السورية، وحل القضية اليمنية، بالاعتماد على المرجعيات الثلاث الدولية والخليجية ونتاج الحوار اليمني. 
الكلمة الموجزة للأمير أبرزت بوضوح هواجس المنطقة كلها، ومثلت الجميع، والتي تشارك الكويت دول المجلس فيها، كما تشير إلى خطر الإرهاب الذي «ما زال يهدد العالم»، إلا أن كلمة أمير الكويت لم تبتعد عن الإشارة إلى ما يجب أن يتم في ضوء الأزمة القائمة، وهو تفعيل النص في النظام الأساسي للمجلس القاضي بإيجاد «هيئة لفض المنازعات»؛ بل والذهاب إلى تشكيل لجنة لمراجعة وتعديل النظام الأساسي بذلك الاتجاه ليتواءم مع المستجدات.
لعل أعمال القمة في الكويت قد حركت الآمال، وسط ظروف استراتيجية وأمنية واقتصادية بالغة الصعوبة، إلى تنظيم أفضل لهذه المؤسسة الرائدة، التي تتفاعل معها شعوب الخليج بشكل إيجابي، ويعلق الجميع عليها الآمال، كما يركنون إلى حكمة متخذي القرار للخروج سريعاً من هذا النفق المظلم تجنباً للأسوأ.
آخر الكلام: الاتفاق الاستراتيجي بين المملكة العربية السعودية والإمارات الذي أعلن أخيراً، يتوج عدداً من الاتفاقات السابقة، وهذا يضيف إلى أعمال المجلس، حيث كانت المطالبات، بأن لا بأس بأن يسير المجلس بسرعتين، متى توافقت أطراف فيه على ذلك، والاقتصادان السعودي والإماراتي يشكلان معا 70 في المائة تقريباً من اقتصاد مجلس التعاون، فالاتفاقات تلك تضيف للمصالح المشتركة لكل أبناء مجلس التعاون.