كريستين لاجارد

 بعد سنوات من الأداء الباهت، نتوقع للنمو العالمي أن يزداد قوة هذا العام ـ مسجلا 3.6 في المائة. ونتوقع أن يستمر هذا الزخم الإيجابي إلى عام 2018. والأهم من ذلك أن الانتعاش الاقتصادي واسع النطاق؛ فهو يشمل 75 في المائة من الاقتصاد العالمي، مقيسا بإجمالي الناتج المحلي.

ويتيح لنا هذا فرصة عظيمة ــ لكي نؤمن التعافي ونوسع نطاقه ليشمل من لم يحصدوا ثماره بعد، إضافة إلى المستبعدين أو المعرضين للاستبعاد. ويتضمن هذا أكثر من 40 بلدا صاعدا وناميا ـ تمثل نحو 15 في المائة من سكان العالم ـ يعانون الآن من تراجع نصيب الفرد من الدخل. كما يتضمن الكثيرين الذين يواجهون أجورا جامدة، وفرصا وظيفية محدودة، وفقدانا للوظائف بسبب التغير التكنولوجي، والتجارة، وتركة الأزمة المالية العالمية. وتزداد صعوبة مهمتنا بسبب التوترات الجغرافية ــ السياسية، وعدم اليقين السياسي، وكذلك الكوارث الطبيعية الأخيرة ــ وهي أمر محزن. وقد قال الطبيب الإغريقي القديم، أبقراط، ذات مرة:

"الشفاء مسألة وقت، غير أنه يكون أحيانا مسألة فرصة". فكيف يمكن اغتنام هذه الفرصة لنصل إلى تعافٍ أقوى من جميع الأوجه ـ بالسعي لتحويل الانتعاش الواعد إلى رخاء دائم لجميع المواطنين وجميع البلدان؟ هذا هو التحدي الذي يجب أن نتصدى له. وحين أنظر إلى وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية من أنحاء العالم ـ هذه الباقة من المسؤولين الذين يعملون بدأب حتى في أصعب الظروف لإبقاء اقتصاداتهم على المسار الصحيح وتدبير الأموال اللازمة لأهم الأولويات والوقاية من الأزمة التالية ـ أجدني على ثقة يقدرتنا على المضي قدما في أداء هذه المهمة الحاسمة. 1 - تعافٍ يشمل الجميع: ثلاث أولويات أرى ثلاث أولويات في هذا الصدد، وهي التوصل إلى أساسيات الاقتصاد الصحيحة؛ ومعالجة قضية عدم المساواة المفرط بمزيد من الحسم؛ ومعالجة الشواغل الأساسية لدى الشباب للمساعدة على ضمان فتح آفاق مشرقة لهم ولأجيال المستقبل. (أ) التركيز على أساسيات الاقتصاد أولا، أساسيات الاقتصاد. في عالمنا الذي يزداد ترابطا، تتحرك البلدان معا، ولكن في مسارات مختلفة وبسرعات مختلفة. وينبغي للسياسات أن تواكب هذه الحركة. ويعني هذا استخدام مزيج دقيق التصميم من السياسات النقدية وسياسات المالية العامة والسياسات الهيكلية لتدعيم التعافي وتعزيز آفاق النمو. ومن الضروري إدارة عملية سلسة لاستعادة السياسة النقدية العادية، كما أنه من الضروري اتباع استراتيجيات للمالية العامة تخفض الدين المرتفع دون الإضرار بالنمو والثقة. ويجب الوقاية أيضا من تراكم مواطن الضعف المالية. وإضافة إلى ذلك، نحتاج إلى إصلاحات يمكن أن ترفع الإنتاجية والناتج الممكن. ويشير تحليلنا للإصلاحات الهيكلية على مدار الدورات الاقتصادية إلى أن إصلاحات أسواق العمل والمنتجات تكون أكثر فعالية أثناء فترات الانتعاش الاقتصادي.

ويجب ألا نفوت هذه الفرصة؛ فهي تحمل أمل زيادة النمو وزيادة الوظائف وزيادة الدخل. (ب) المعالجة المباشرة لعدم المساواة المفرط كما يجب ألا نفوت فرصة المعالجة الأكثر حزما ـ وأكثر مباشرة ـ للقضية التي ألحقت ضررا بالغا بشعوبنا ومجتمعاتنا. وأنا أتحدث هنا عن عدم المساواة المفرط. فهو يعوق النمو ويقوض الثقة ويشعل التوترات السياسية. وعلى الرغم مما شهده الجيل الماضي من تخفيض للفقر وعدم المساواة بين البلدان، فلا يزال عدم المساواة في الدخل والثروة يواصل الارتفاع داخل البلدان. واليوم يمتلك أصحاب الدخول التي تمثل أعلى 1 في المائة نحو نصف ثروة العالم. فكيف يمكن معالجة هذه القضية على نحو أكثر مباشرة؟ الاستثمار في البشر أمر أساسي: الصحة والتعليم والتعلم مدى الحياة. وتقوية شبكات الأمان أمر أساسي، بما في ذلك الدعم المباشر للأفراد والمجتمعات التي تعاني في سعيها للتكيف مع الاضطرابات، سواء المترتبة على التغير التكنولوجي السريع أو غيره من العوامل، بما فيها التجارة. وأدوات المالية العامة أمر أساسي أيضا. فعلى سبيل المثال، تشير أبحاثنا إلى أن بعض الاقتصادات المتقدمة يمكن أن ترفع معدلاتها الضريبية العليا دون إبطاء النمو، ما يوفر الموارد اللازمة للاحتياجات ذات الأولوية أو لتخفيض الديون. وبالطبع، نحتاج إلى عمل مزيد لتحقيق الإمكانات الكاملة التي يتمتع بها نصف سكان العالم ـ النساء. وكما قلت مرارا في السابق، هذه مسألة بديهية من منظور الاقتصاد. إذن لنعمل على تمكين المرأة بإزالة المعوقات القانونية والتحيز الضريبي ـ وتقديم الدعم لزيادة المشاركة في سوق العمل. ففي ذلك تغيير لقواعد اللعبة. وفيه زيادة للنمو وخفض لعدم المساواة ودعم للتنوع. وستكون الفتيات والفتيان مؤثرا أساسيا في مستقبل العالم. ويقودني هذا إلى الأولوية الثالثة في نظري ـ ما القضايا الأساسية التي تشغل الشباب؟ (ج) شواغل الشباب طبقا لآخر مسح أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي على أبرز القضايا التي تهم الشباب، هناك قضيتان تتصدران القائمة، هما الفساد وتغير المناخ.