سطام المقرن

دور وزارة الشؤون الإسلامية كبير في تجديد الخطاب الديني، بحيث يتم تجسيد القيم الأخلاقية والإنسانية في واقع الناس، فالإسلام الحقيقي هو أن يتحرك الفرد بدوافع إلهية

وجهت لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية في مجلس الشورى تساؤلا لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بشأن وضع حل لفوضى الأحذية في المساجد وعدم الحرص على ترتيبها، حيث ردت الوزارة بالقول بأن «هناك خططا لها، لكن هذه المسألة تعود إلى ثقافة المجتمع، مشيرة إلى أنها وفرت أماكن مخصصة لوضع الأحذية، والتزام الناس بها هذا عائد إلى ثقافتهم»!، والسؤال المطروح هنا: ماذا تقصد الوزارة بثقافة المجتمع؟ وما علاقة هذه الثقافة بسلوك المصلين في المساجد؟.
في الوقت الذي يصطف فيه المصلون بانتظام لأداء الصلاة، نجد الفوضى والعبث خارج المسجد، فنجد أحذية متناثرة في كل مكان، ناهيك عن إيقاف السيارات بشكل عشوائي وخاطئ، فنرى السيارات مكدسة أمام كل مسجد دون نظام أو ترتيب، بالإضافة إلى تخطي رقاب الناس وإيذاء المصلين غير عابئين بشعور الآخرين.. فهل تعتبر مثل هذه السلوكيات من ثقافة المجتمع؟.
يقول الله -عزّ وجل- في كتابه الكريم (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)، ويقرأ كل مسلم هذه الآية، ومع ذلك نجد البعض يحرص على أداء الصلاة وفي نفس الوقت يسرق ويظلم ويعتدي ويسعى في الأرض فسادا.. فما سر هذا التناقض وهذه الازدواجية؟.. جاء في الحديث الشريف «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم تزده من الله إلا بعدا».
الصلاة في مفهوم الفقه التقليدي هو أن يأتي المسلم بالصلاة بأركانها وواجباتها وشروطها، من الوضوء واستقبال القبلة وتكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة والركوع والسجود، وغير ذلك، ولو كان المسلم أثناء صلاته يفكر بأنواع المحرمات والموبقات ويسب ويشتم الناس بقلبه، فصلاته صحيحة لا شائبة فيها في نظر الفقه التقليدي، فالكذب والسب وإيذاء الغير وظلم الناس لم تذكر في قائمة نواقض الصلاة.
هناك انفصام بين الصلاة (سائر العبادات عموما) والأخلاق في حياة المسلم، وأصبح الهدف أن يصلي ويصوم فقط، وليس وسيلة لهدف أو غاية أخلاقية، والأخطر من ذلك أن البعض يتوهم بأنه بمجرد ممارسة العبادات فإنه يشعر بأنه فوق مستوى القيم الأخلاقية وبلا مسؤولية، فقد أغفل أصحاب الفقه التقليدي وظائف العبادات، ولم يستطيعوا شرحها للناس، فليس هناك ربط واضح في الذهنية المجتمعية بين الصلاة والأخلاق، فالمسلم يقرأ قول الله، عزّ وجل: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ)، ولكن لا يعلم أن الصلاة كعمل تعبدي تسهم في تقوية الأخلاق، وتحرر الإنسان من العناصر السلبية.
بالإضافة إلى ما سبق، أصبحت الصلاة عند البعض تخضع إلى عمليات حسابية تطغى عليها المصلحة الشخصية والأنانية، حيث أصبحت «الأنا» هي الهدف لا غير، فالبعض يؤدي الصلاة ومع ذلك نـجد أخلاقهم سيئة في التعامل مع الآخرين، لأن في تصورهم الذهني يرون أنهم بهذا العمل قد حصلوا على الأجر والمثوبة من عند الله وكفى، والاهتمام سوف ينصب على أداء الشعيرة كتكليف على حساب القيم والأخلاق والإنسانية، ناهيك عن ثقل هذه الشعائر في النفس والكسل في أدائها، وهم قد نسوا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في الحديث: «أتدرون من المفلس؟»، قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: «إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار».
وبناء على ما سبق، أرى أنه ليس كافيا أن تقوم وزارة الشؤون الإسلامية بتوفير أماكن مخصصة للأحذية في المساجد، ومن ثم ترمي بالمسؤولية على ثقافة المجتمع في انتشار الفوضى والسلوكيات الخاطئة، فالقضية أكبر من ذلك بكثير، فهي قضية أخلاقية وسلوكية في المقام الأول، وللوزارة دور كبير في تجديد الخطاب الديني في المجتمع بحيث يتم تجسيد القيم الأخلاقية والإنسانية في واقع الناس، فالإسلام الحقيقي هو أن يتحرك الفرد بدوافع إلهية بدل الدوافع الأنانية والمصالح الشخصية، والدوافع الإلهية هي عين الدوافع الإنسانية المنطلقة من الوجدان.