دبي السينمائي (6)‬: القرار السعودي وترشيحات «غولدن غلوبس» تمتزج بتوقعات جوائز مهرجان دبي

 دبي: محمد رُضـا

ما إن نشر القرار الرسمي بافتتاح دور عرض سينمائية في مدن المملكة العربية السعودية يوم أول من أمس (الاثنين)، حتى طغى تداول هذا الموضوع ليس على شبكات التواصل الاجتماعي فقط، بل هنا في دار مهرجان دبي السينمائي الدولي المقام حتى ليل اليوم، حيث يُـنهي دورته.

التداول كان منتشراً بين جميع المهتمين بالشأن السينمائي والثقافي، لكنّه أكثر حضوراً في أوساط الموزّعين وأصحاب الصالات الذين كانوا في انتظار إشارة البدء للتقدم صوب المسؤولين السعوديين بطلباتهم تأمين العمل ومتطلباته وشروطه.

خبرات رجال الأعمال

أحدهم حزم حقائبه لمغادرة دبي خلال اليوم التالي قاصداً الرياض، وآخرون ينتقلون إليها في غضون الأيام القليلة المقبلة. جلّ هؤلاء من كبار الموزّعين والمؤسسين لصالات العرض السينمائي. أولئك الذين خبروا السوق العربية والعالمية؛ لأنّه، حسب حمّـاد الأتاسي، صاحب شركة «برايم» التي تقوم الآن بإضافة صالات جديدة في أبوظبي والشارقة إلى إمبراطوريتها الموزعة في أكثر من دولة: «لا يستطيع أحد أن يكون موزعاً جيداً وملماً إن لم يكن يتعاطى العمل على مستوى دولي».

أضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «السوق السعودية، بسبب الكثافة السكانية والظرف الخاص للمملكة الذي منع تواجد صالات سينمائية وأفلام تعرض فيها، ستكون أهم سوق في الشرق الأوسط».

ثم فتح كلتا يديه وأضاف: «السوق السعودية في يد والأسواق العربية كلها في اليد الأخرى».

ماريو حداد، صاحب شركة «إمباير» للتوزيع قال: «هذه هي خطوة رائعة جاءت بالتوافق مع المتغيرات الإيجابية التي تشهدها المملكة، وبالتأكيد نحن مستعدون فوراً للعمل».

لكن كلمة «فوراً» إذ تعبّـر عن استعداد مؤسسات التوزيع وشركات الصالات للعمل منذ الآن، لا تعبر عن جاهزية الصالات السينمائية لا القليل الموجود منها ولا ما هو قيد الإنشاء. يفسر حماد الأتاسي، وهو ابن المنتج الكبير الراحل نادر الأتاسي ذلك بالقول إنّ تجهيز الصالات عليه أن يتم بشكل سريع إنما على نحو عصري متكامل: «بناء وتجهيز مجمع لصالات السينما مسألة أشهر وليست مسألة أسابيع. على الجميع مراعاة الشروط التقنية والفنية لكي تنجح التجربة، وسيساعد جداً الاعتماد على الشركة التي سبق لها وأن أسّست، عبر رجال أعمالها، الكثير من دور السينما في منطقة الخليج؛ لأنّها تفهم في الثقافة المحلية وتعرف ما يلائم وكيف تنجزه جيداً».

الترشيحات العاكسة

الخبر الذي حلّ مثل رذاذ ماء رطب على الجميع، طغى حتى على صدور ترشيحات «جمعية مراسلي هوليوود الأجانب» المانحة لجوائز «غولدن غلوبس». قليلون هنا علقوا عليها لازدحام الطقس السينمائي في دبي بالخبر السعودي في هذا المجال كما بالمهرجان وأحداثه مع اقتراب إنجاز مهام لجان التحكيم بهدف توزيع الجوائز ليل اليوم.

فجأة بتنا نفحص ترشيحات «غولدن غلوبس» ونعاين الأفلام العربية والإماراتية والخليجية التي تسعى للفوز، وأي منها الأقرب أو الأبعد.

على الصعيد الأول، وبينما كانت الممثلة المرموقة ألفري وودارد تعلن عناوين الأفلام المرشحة وأسماء السينمائيين المشاركين في هذه الترشيحات الرسمية (لجانب شارون ستون وكرستن بل وغاردت هدلاند)، كانت تتلألأ حولها حقيقة أنّها المناسبة الـ75 لهذه الجائزة العنيدة. ذلك منذ أن كان قوامها اجتماعات مقاهٍ في هوليوود بين عدد قليل من الصحافيين الأجانب الذين أرادوا تأكيد دورهم في الحياة الفنية في هوليوود.

والمناسبة التي تصل إلى ثلاثة أرباع قرن استطاعت تبوأ المركز الثاني بين كل المناسبات السنوية التي توزع جوائزها في هوليوود أو خارجها؛ وذلك بعد جوائز الأوسكار التي تقدمها «أكاديمية العلوم والفنون السينمائية».

في ذاتها، فإن جوائز «غولدن غلوبس» مناسبة كبيرة تزداد أهمية تبعاً لحقيقة أنّ ثاني أهم شيء في حياة الممثل أو المخرج، بعد أن يكون نشطاً في مهنته، هي أن يفوز بجائزة مهمّـة كهذه تدفع به لترشيحات الأوسكار الرسمية المقبلة. هذا ما حدث كثيراً في السابق، وسيحدث هذا العام بالتأكيد.

ككل عام هناك أفلام تتقدم أفلاماً بعدد ترشيحاتها عاكسة تلك الضمانة بأنّها إن لم تفز بالجوائز المرشحة لها، فإنّها - على الأقل - ستفوز بواحدة منها.

هذا العام يتقدم «شكل الماء» للمخرج غويليرمو دل تورو الأفلام جميعاً بعدد الترشيحات التي يتمتع بها، وهي سبعة (منها أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل ممثلة درامية، الخ...).

يليه «ذا بوست» لستيفن سبيلبرغ و«ثلاث لوحات خارج إيبينغ، ميسوري» لمارتن ماكدوناف بست ترشيحات لكل منهما و«لايدي بيرد» لغريتا غرويغ، بأربعة ترشيحات. ثم خمسة أفلام كل منها بثلاث ترشيحات، وهي «كل المال في العالم» لريدلي سكوت و«نادني بإسمك» للوقا غوادانينو، و«دنكيرك» لكريستوفر نولان، و«الاستعراضي الأكبر» (The Greatest Showman) لمايكل غرايسي و«أنا، تونيا» لغريغ غيلبسي.

كل هذا من أصل 33 فيلماً دخلت الترشيحات (هناك 4 مسابقات في هذا الشأن: أفضل فيلم درامي، أفضل فيلم كوميدي أو موسيقي، أفضل أنيميشن وأفضل فيلم أجنبي).

موضوع جوائز «غولدن غلوبس» شاسع، وعليه أن يأخذ مساحته الكافية (في تقرير لاحق هذا الأسبوع). لكن هذا لا يمنع من تدوين بعض الأسئلة، مثل كيف يمكن إدراج فيلم «غت آوت» (Get Out) ضمن المسابقة الكوميدية أو الموسيقية وهو يخلو تماماً من كليهما. لا هو كوميدي ولا هو موسيقي، بل تشويقي يحفّ ببعض مشاهد الرعب.

مخرجات نشطات

بالعودة إلى مهرجان دبي السينمائي، وفوق ما تناولناه إلى الآن من أحداث وأفلام فإنّ وصول المهرجان العربي الأول إلى خط النهاية هذا المساء، يطرح ذلك السعي المسيطر على السينمائيين للوصول إلى الجوائز الثمينة. هذا رغم إبداء أحد المخرجين رغبته في سحب فيلمه من المسابقة تبعاً لمقالة نقدية كتبت عن فيلمه.

المسابقات الثلاث: «الأفلام الإماراتية» و«الأفلام الخليجية» و«المهر الطويل» (للأفلام العربية) شهدت أفلاماً جيدة، وفي مقارنة مع أفلام العام الماضي، على سبيل المثال، أدّت الجهود المبذولة هذا العام إلى اختيار عدد أكبر من الأفلام الجيدة.

هذا لم يكن ليحدث لولا أنّ همّـة المخرجين العرب، في دولة الإمارات أو في أنحاء دول الخليج أو في باقي أنحاء العالم العربي، جهدوا لتقديم ما هو رصين وجيد ومتين يستحق التسابق، وبالتالي استحواذ الجوائز.

هناك، في هذا النطاق، عدد ملحوظ من المخرجين الجدد الذين حققوا أفلامهم الطويلة أول مرة. من بينهم الإماراتي عبيد الحمودي الذي قدم فيلمه «كبريت»، والإماراتي ياسر النيادي «نادي البطيخ»، والتونسية سارة عبيدي «بنزين»، والجزائرية صوفيا جامه «السعداء»، والمصرية هالة القوصي «زهرة الصبار»، واللبناني لوسيان بورجيلي «غداء العيد».

وكما تكشف هذه الأسماء، وهناك سواها، فإن حضور المخرجات العربيات ملحوظ في هذه الدورة وعلى نحو استحق إشارة المدير الفني للمهرجان، مسعود أمر الله عندما أعلن رضاه عن هذا التطوّر العددي والنوعي.

في حين أخفق أحد مقدمي فيلم «بنزين» عندما شطح قائلاً: إنّ ظاهرة اهتمام الأفلام العربية بالمرأة، ظاهرة حديثة «تزداد يوماً بعد يوم»، بينما يعلم الجميع أنّها تعود إلى الستينات إذا ما شاء الناقد تحديد البدايات. كذلك أخطأ حين ذكر أنّ «بنزين» يتمحور حول بطلته؛ إذ هو يتمحور حول بطليه، الرجل والمرأة.

لا يهم، هذه أخطاء متكررة لا يجب أن تقع، لكن حين تقع هي من الصغر بحيث تذوب سريعاً.

المهم هو أنّ هناك الكثير من الأفلام التي يمكن اختيار الفائزين منها، كما هناك الأفلام التي لا نرى أنّها تستحق الجوائز الممنوحة إذا ما قرّرت لجان التحكيم (ليس من بينها نقاد) ذلك.

أحد أفضل المشاهدات هنا، لجانب «قصص العابرين» للعراقي قتيبة الجنابي، هو الفيلم الأول للمخرجة المصرية هالة القوصي «زهرة الصبار».

طقوس المجتمع

مثل حال «أخضر يابس» لمحمد حمّـاد، في العام الماضي، اختلفت الآراء حوله، لكنّ العمل في حقيقته دراما وجدانية رائعة من بدايته وحتى نهايته. صحيح أنّ المخرجة تبدأ من نقطة أعلى من تلك التي تنتهي إليها، لكنّ الفارق ليس مؤثراً، ووحدة العمل مصانة بحسن التقاط المخرجة لمشاهد بارعة طوال مدّة عرضه.

إنه عن عايدة (سلمى سامي) التي لم تعرف نجاحاً فيما هدفت إليه في حياتها. كانت تحب التمثيل ولا تزال، ومن أجله نزحت من قريتها إلى القاهرة، لكنّها لم تحقق سوى تسجيل دعايات صوتية لبضائع أو مؤسسات. تعيش وحدها في عمارة تسكن فيها أيضاً امرأة متقدمة سناً اسمها سميحة (منحة البطراوي) التي تسقط أرضاً ذات يوم فتستعين عايدة بجار شاب اسمه أحمد (صدقي صخر)، وينقلانها إلى المستشفى. عايدة وسميحة يخسران شقتيهما تباعاً وينتقلان للعيش عند أحد الأصدقاء، ثم عند صديق مشترك ثانٍ (زكي فطين) قبل أن تتوجها إلى القرية، حيث تلتقي عايدة بأمها (غادة عبد الرسول) وتتصالح معها بمساهمة من سميحة التي خبرت الحياة وتضع خبرتها لتفيد العائلة.

الجو الذي تبنيه المخرجة هو ذلك الجو الحزين ذاته الذي لا يمكن إلّا توفيره حيال كل فيلم صادق في رغبته الإحاطة بأجواء الحياة من ناحية وبالأحلام غير المحقة من ناحية أخرى. إلى ذلك، لدى المخرجة هالة القوصي الرغبة في الحديث عن الخوف والناس التي تراقب الناس وتحتمي بمكتنزاتها من الاعتقادات في سبيل ذلك، مثلما يحدث عندما نرى اثنين من المخبرين يحققان مع عايدة عندما تكتشف وجود امرأة ميتة على مقعد لها ليلاً. وهناك مشهد مماثل لرجل آخر يتابع النظر إلى عايدة وهي تبتعد محاولاً قراءة سبب خروجها ليلاً وحيدة. وربما الدلالة المباشرة على تطفل الناس والاستناد إلى شبهاتهم وتخميناتهم المشهد الذي يشكك الجيران في أخلاق أحد الساكنين بعدما استقبل في بيته عايدة وسميحة وأحمد.

لكن جو الخوف الداهم معبّـر عنه أيضاً في مشهد داخلي نرى فيه ملصقاً لفيلم الراحل سعيد مرزوق «الخوف»، ذلك الذي تحدث (سنة 1972)، عن خوف مماثل يلاحق بطليه سعاد حسني ونور الشريف في ظروف لا تبتعد كثيراً عن الظروف التي يوردها هذا الفيلم.

وعلى خلفية صوتية خافتة لأغنية لسعاد حسني (من فيلم آخر) تعبر نادية (أداء جيد تحت خط الدراما) عن صلب الفيلم عندما تلحظ: «الناس كلها بقت صعبة أوي».

الوهم الجميل

على نحو غير متوقع، جاء فيلم التونسي الناصر الخمير أقل تأثيراً مما كان في البال. هذا المخرج المقل جداً (ثلاثة أفلام في ثلاثين سنة) حقق فيلمه الرابع على هواه السابق. دائماً ما يحب حكايات الزمان الواقعة في فضاء الأمكنة. بحث في الهوية العربية منذ «الهائمون»، واستكمل بحثه في «طوق الحمامة المفقود» (تقع أحداثه في الأندلس) وختمه بفيلم «بابا عزيز». في «همس الرمال» يعود به إلى تونس، موقع فيلمه الأول، ليسرد حكاية تتفرع منها حكايات.

هناك دليل سياحي (هشام رستم) وامرأة سورية الأصل تعيش في كندا (نورة صلاح الدين) في رحلة طويلة في الصحراء الذهبية. الغاية بحث المرأة عن واحة بها شلالان من الماء بينهما صخرة. هناك فقدت أمها زوجها (والد تلك المرأة) قبل عقود، وطلبت من ابنتها أن تنشر رفاتها في تلك البقعة.

هذا هو الترتيب والتموضع الروائي (The Set Up) للفيلم. وكما «ألف ليلة وليلة»، فإن المناسبة تستدعي حكايات أخرى يسردها خلال قيادته السيارة ذات الدفع الرباعي السائق. حكايات السائق تأخذنا (والمخرج)، إلى فتح أقواس، كل منها يحتوي حكاية صحراوية غارقة في القدم بطلها شخص مختلف. جل هؤلاء الأشخاص من الذين انطلقوا باحثين في الزمن أو عن المكان، كما حال تلك المرأة.

ليس أنّه بحث الهوية الفردية المفقودة بقدر ما هو البحث عن التاريخ وأصل التراث وجذور الذات القومية لما هو تونسي وعربي معاً. لكن في كل مرّة ينتقل فيها الفيلم من الحاضر إلى الماضي يفقد قدراً من اهتمام المشاهد بالحاضر هذا من دون أن يشبع من مشاهد محدودة آتية من الأزمنة الماضية.

الحكايات بذلك تبقى مبتورة وسريعاً ما يضمحل غالبها. نهايات لمشاهد عدة تفتر عن أهميتها وتنضم إلى مجرد جماليات في الصورة العامة؛ كون التصوير يتم في ذلك الفضاء المحبب للمكان. عندما تكتشف المرأة المكان بمفردها وتضع الرفات عند الصخرة، ننتقل إلى السائق الذي يبحث عنها. وبينما تؤكد له أنّها وجدت الشلالين يؤكد لها بدوره، وهو العارف بالصحراء وتفاصيلها، أنّه لا توجد شلالات ماء هنا. يحملنا ذلك على تفضيل لو أنّ هذا الوهم تبدّى بطريقة أخرى؛ كون المشهد ينتهي بلا تأكيد على من هو على حق بينهما.

السائق بدوره لديه مشكلات عائلية؛ إذ إنّ أحد أولاده غادر تونس بقارب غير شرعي طالباً الساحل الإيطالي. هنا أيضاً تعثر في استخدام هذا الجانب من أحداث الفيلم وكان من الممكن اختصاره عوض أن يبقى عائقاً في سياق الفيلم.

المسألة مسألة سيناريو، لكن الفيلم انتهى إلى تسجيل تراجع للمخرج من دون أن يخسر الأمل في تجاوز هذا التراجع ولو بعد حين.