سيد محمود 

عاش الصحافي المصري وديع فلسطين (95 سنة) حياة هادئة سنوات طويلة في بيته البسيط في ضاحية مصر الجديدة شرق القاهرة، لكن الواقعة التي عاشها صباح أمس جاءت لتكسر هذا الهدوء، علماً أنها لا تخلو غالباً من تداخل بين ما هو إنساني وما هو سياسي. وقالت الكاتبة المصرية صافي ناز كاظم لـ «الحياة» إن «السيدة وردة التي تتولى رعاية وديع فلسطين فوجئت به مقيداً في أحد كراسي غرفة الصالون كما وجدت الأثاث مبعثراً».

ووديع فلسطين هو أحد أبرز محرّري الأدب في الصحافة العربية على مدى 70 عاماً، وتألق في صحيفتي «المقتطف» و «المقطّم» بين عامي 1945 و1952، وألّف وترجم أكثر من 40 كتاباً، منها «حديث مستطرد» الذي يضم مقالات نشرتها له جريدة «الحياة» في زاوية تحمل الاسم نفسه.

وأكدت كاظم أن فلسطين نُقل إلى مستشفى للتعافي من الصدمة العصبية، بمعرفة قوة من الشرطة التي تحقق في ملابسات الحادث، بعد أن لاحظت أن الاقتحام لم يكن بدوافع مادية، إذ لم تكتشف سرقة أي مبالغ مالية أو منقولات، باستثناء بعض الأوراق الشخصية. وجاءت تلك الواقعة غداة نشر جريدة «الأهرام» القاهرية حواراً مع وديع فلسطين تطرّق فيه إلى أمور سياسية، إذ وصف نظام حكم جمال عبدالناصر بأنه «كان جباراً، وأمّم الصحافة وأقام وحدة بين مصر وسورية لم تستمرّ إلا عامين وكانت وحدة بين أجهزة استخبارات وليس بين شعبين». وفي الحوار ذاته، دعا فلسطين إلى «الاعتدال في كل شيء»، واصفاً التطرف بأنه «عملية فظيعة جداً». كما طالب بـ «نسيان زمن الإخوان»، في إشارة إلى فترة تولي الجماعة حكم مصر بين عامي 2012 و2013، والتي وصفها بأنها «كانت فترة عصيبة».

وربط متابعو مواقع التواصل الاجتماعي بين تأكيد فلسطين في الحوار ذاته أنه يعيش وحيداً وواقعة اقتحام شقته، وروت مساعدته المنزلية وردة لمقربين أن رجلين تمكنا أول من أمس، من دخول بيته بزعم تحصيل فاتورة استهلاك المياه ونجحوا في سرقة مبلغ ألف جنيه (75 دولاراً). كما أكد الجيران في إفاداتهم للشرطة أنهم شاهدوا ثلاثة رجال وامرأة يهبطون السلالم ومعهم حقيبة، قدّروا أنها تحوي أوراقاً سُرقت من الشقة.

ومعروف أن الباحثة سلمى مرشاق نقلت مكتبة وديع فلسطين إلى بيروت قبل نحو ثلاثة أعوام لتكون في عهدة دار «الجديد» إلى حين تبويبها وترتيبها والاتفاق على نقلها إلى مؤسسة جامعية، وذكرت ابنتها الكاتبة رشا الأمير لـ «الحياة» أنها تستبعد أن تكون محتوياتها شملت أوراقاً شخصية. وقالت: «محتوى المكتبة يتجاوز عشرة آلاف كتاب، بعضها نادر وبعضها مهدى إليه، لكن ما أعرفه أنه لم يدوّن سيرة ذاتية وليست لديه أوراق خاصة، باستثناء ربما رسائل من أدباء عصره وبعضها منشور». وما أثار استغراب الأمير من واقعة الاقتحام اقتناعها بأن «وديع فلسطين رجل هادئ ومحافظ سياسياً لا يتورط مع أحد».

يذكر أن وزير الثقافة المصرية حلمي النمنم زار فلسطين قبل شهرين وقدّم له درع الوزارة. وقال الكاتب إنه أول تكريم رسمي له منذ أن حصل قبل عام 1952 على جائزة الملك فاروق للصحافة ثلاث مرات.