أصيل الجعيد

صناعة الترفيه -والسينما تحديدا- قد تجلب مئات الملايين من الريالات، وكثيرا من الوظائف، والأهم من ذلك المساعدة لبناء القوة السعودية الناعمة خارجيا وإقليميا

شهدت المملكة العربية السعودية في آخر سنتين كثيرا من القرارات النافعة التي تصب في مصلحة المواطن. هذه القرارات كأي قرارات أخرى، لها تبعات على الصعيد الثقافي والاجتماعي، وحتى التنظيمي. هذه التعبات تظهر لنا أي جهة حكومية مميزة، فالجهة الحكومية المميزة لن تنتظر حدوث هذه التبعات، وتتبعها بردة فعل وتصاريح صحفية، بل تستعد للتبعات قبل وقوعها، وتصدر مع صدور القرارات النافعة حزمة قرارات تتصدى لأي إشكال أو موضوع يحتاج معالجة قبل وقوعه. 
البعض يظن أن أخبار الترفيه، ومنها إقامة الحفلات الغنائية والسينما وغيرها، ليست لها تبعات، بل لها تبعات وتبعات مهمة جدا، الاقتصادية تأتي في المقدمة، ولكن القانوني الكامن فيّ ينظر إلى الأمور بشكل مختلف. 
أتساءل اليوم: لماذا الجامعات لا تغير خططها الدراسية، لتخصص القانون أو الحقوق لتواكب هذه المسيرة الحازمة؟ أين المواد التي تعنى بالقانون الرياضي السعودي، عقود اللاعبين، عقود الحفلات الغنائية والمواهب الفنية، عقود صناعة السينما والممثلين؟. أعلم أنني أستبق المشكلة هنا، ولكن استباق الأمور خير من معالجتها لاحقا، إذ إن سوق القطاع الخاص يستجيب للمتغيرات أو «التبعات» أسرع بكثير من القطاع الحكومي. قدرة الاستجابة للمتغيرات هذه هي أس مشكلة القطاع الحكومي، وبالأخص من ناحية راحة خدمة عملائه من المواطنين والمقيمين، بل قد يدفع بالإنتاجية الحكومية إلى أرقام أعلى، وإذا أردنا للقطاع الحكومي التميز، وجب علينا إيجاد وتدريب هؤلاء القادة الحكوميين التكنوقراطيين الذين لا ينتظرون وقوع التبعات بعد القرارات النافعة، بل يكونون قياديين كما يجب أن يكونوا، على صعيد الجامعات أيضا، هل هناك جامعات بدأت تدرس تخصص السينما وصناعته؟ أنتظر إجابة الجامعات مثل الآخرين المنتظرين، خصوصا أنه تم السماح رسميا بدور السينما.
كذلك في الجانب التشريعي، فإن وزارة الثقافة والإعلام وهيئة الترفيه، أمامهما عمل جبار، فنحن نحتاج ورش عمل بين الفنانين والمتخصصين القانونيين، لمحاولة عصف ذهني للخروج بأفكار قانونية تنتهي بحضن مجلس الشورى للنقاش والدراسة، وربما تعرض على مجلس الوزراء، وبعدها هيئة الخبراء، للوصول إلى صياغة تنظم المشهد الترفيهي المتغير في السعودية اليوم. 
صناعة الترفيه -والسينما تحديدا- قد تجلب مئات الملايين من الريالات، وكثيرا من الوظائف المتاحة للجنسين، بل إن الأهم من ذلك المساعدة لبناء القوة السعودية الناعمة خارجيا وإقليميا. 
كلنا نعلم كيف أسهمت السينما الأميركية في الترويج للحياة الأميركية وثقافتها، وعملت جنبا إلى جنب مع السياسة كقوة ناعمة غزت معظم بيوت العالم. 
نعم، السينما سلاح لا يستهان به أبدا، خصوصا إذا ما علمنا قوتها في التأطير للعقول، والترويج لأفكار تدعم وتسوّق لنمط حياة مجتمع ما وثقافته، على صعيد الجانب القضائي. يظهر كذلك إشكال آخر فمعظم القضاة قد يرفضون نظر قضايا الترفيه والسينما، وكإجراء استباقي تقليدي أعتقد أنه سيتم إنشاء لجنة إدارية ذات اختصاص قضائي لفض منازعات الترفيه، بما فيها السينما، وهذا هو أس مشكلة العمل القضائي في السعودية، فهذه اللجان التي تربو على تسعين لجنة ينظرها قانونيون بمسمى مستشارين لا قضاة، تمنع تقدمنا القانوني السعودي، فهي لجان قضائية داخل الوزارات التنفيذية، وإذا ما نظرنا إلى نص الأمر الملكي الكريم رقم م/78 بتاريخ 1428/9/19 الذي تضمن جملة «القضاة مستقلون» ندرك حجم المشكلة. ما الذي يمنعنا من إنشاء قضاء متخصص وليست لجانا؟ هؤلاء المستشارون يتغيرون بين حين وآخر، وتضيع خبراتهم، خصوصا إذا علمنا أن السوابق القضائية غير مطبقة وغير ملزمة. 
ألم يحن الوقت لجمع شتات كل هذه اللجان القضائية ضمن المحاكم العامة أو محكمة متخصصة لتوفير المال العام؟ طبعا، حتى نجيب عن هذا السؤال لا بد من توفير البيئة المناسبة، لذا هذا السؤال يقودنا إلى سؤال آخر: ألم يحن الوقت لقضاة قانون؟