خالد عباس طاشكندي

تابعت باستياء نبرة الغطرسة والازدراء في تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس الأول خلال اجتماعه أخيرا مع المخاتير الأتراك في العاصمة التركية أنقرة، بتوجيهه إساءات مباشرة إلى وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد على خلفية إعادة نشر تغريدة عن الجرائم والفظائع التاريخية التي ارتكبها الوالي العثماني فخر الدين أو «فخري باشا» وجنوده في حق أهالي المدينة المنورة، ولكن هذه الحقائق التاريخية لم ترق للسيد أردوغان وقام بقلب الحقائق معتبراً أن فخري باشا كان يدافع عن المدينة المنورة، وتساءل بنعرة تركية مفرطة، قائلاً «حين كان جدنا فخر الدين باشا يدافع عن المدينة المنورة، أين كان جدك أنت أيها البائس الذي يقذفنا بالبهتان؟».

لم أطرح هذه المقدمة للرد نيابة عن الشيخ عبدالله بن زايد، ولكن أود أن أطرح الإجابة على لسان جدي رحمه الله الذي كان أحد ضحايا جرائم التهجير الجماعي والقسري لأهالي وأبناء المدينة المنورة بأوامر من الوالي العسكري فخري باشا في الواقعة الشهيرة «سفر برلك»؛ إذ كان حينها في العاشرة من عمره عندما اقتحم الجنود الأتراك مسكن أسرته وانتزعوه من أحضان والدته وأمام أعين شقيقته لينقلوه بالقوة مع آلاف الشباب والفتية والأطفال إلى خارج الجزيرة العربية، موزعين ما بين سورية والأردن والعراق وتركيا، والإلقاء بهم إلى المجهول بلا مال ولا مأوى، إذ كان الهدف الأساسي هو إبعادهم عن المدينة المنورة وإخلاؤها من السكان، فتحولت المدينة المنورة إلى حصن عثماني في مواجهة القبائل العربية التي انتفضت ضد التواجد العسكري التركي وتجاوزاتهم التي بلغت حد البطش والطغيان.

ومما رواه جدي رحمه الله، أنه في الفترة التي سبقت «سفر برلك» في 1916، كانت أعداد كبيرة من الجنود الأتراك تتوافد على المدينة المنورة بسبب انتفاضة سكان الحجاز والقبائل العربية ضد الدولة العثمانية التي تغيرت سياساتها خلال الحرب العالمية الأولى بعد صعود القوميين الأتراك إلى سدة السلطة وتعالي نبرة سياسة التتريك ومحاولة فرض الثقافة التركية على المجتمع، ومنذ أن حل فخري باشا في المدينة المنورة بدأ بالتعسف ضد السكان وفرض على الكثيرين من أبنائها العمل في خدمة الثكنات العسكرية مقابل مبالغ زهيدة، في حين كان الجنود يستهلكون قوت أهالي المدينة وما لديها من مؤن ومحاصيل ومواشٍ بلا مقابل، ومع انطلاقة غارات القبائل على الجنود الأتراك إبان الثورة العربية الكبرى، بدأ الجنود حينها بأوامر من فخري باشا بطرد سكان المدينة وقاموا باقتحام البيوت وخطف الأطفال والرجال ونقلهم بالقوة عبر سكة قطار الحجاز إلى الخارج، وحينها أبعد جدي إلى الأستانة التي منذ أن حل بها بدأ في السعي إلى العودة إلى المدينة المنورة بحثاً عن والدته وشقيقته في رحلة شاقة استغرقت منه قرابة أربع سنوات، كان يجمع خلالها قوت ترحاله حتى وصل إلى الهند ومنها ركب الباخرة وعاد إلى المدينة المنورة ليصطدم بنبأ وفاة والدته وشقيقته مع الكثيرين نتيجة تفشي الأوبئة والأمراض والجوع، فانتقل إلى مكة المكرمة ثم أقام في جدة حتى وفاته.

وكان من المآسي التي رويت له حين عودته، هي المجاعة التي أصابت المدينة ودفعت بمن تبقى من السكان إلى أكل القطط والحشائش، وانتشرت الأمراض والأوبئة التي عجلت في وفاة المئات بما فيهم الجنود الأتراك الذين أجبروا فخري باشا على الرحيل.

هذا جزء يسير مما نقله شاهد على ذلك التاريخ، أما ما ذكرته المراجع التاريخية فهو ليس بعيداً عن ذلك، بل نذكر أن فخري باشا أخذ معه الآلاف من مقتنيات الحجرة النبوية الشريفة الثمينة ومن بينها جوهرة الكوكب الدري والبردة النبوية ومصحف سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، إضافة إلى محتويات مكتبة عارف حكمت والمحمودية وما تحتويه من مخطوطات نادرة، وستجدون غالبية ما نهبوه في متحف «توب قابي» في إسطنبول شاهدا على إنجازات جد أردوغان!