طه خليل 

في بداية آب (أغسطس) من عام 2015، شن تنظيم «داعش» الإرهابي هجوماً على شنغال (سنجار) التي تتبع إدارياً للموصل العراقية، وقراها، ولم تقاوم قوات البيشمركة التي كانت هناك، وانسحبت، فظل السكان الإيزيديون العزّل وجهاً لوجه أمام جرائم «داعش» ومجازره،

بعد أن فرض «الدواعش» طوقاً كاملاً على بلدة شنغال وريفها، بدأ بحرق القرى، وتجميع السكان ثم فرزهم على مجموعات: النساء والأطفال على حدة، والرجال والشباب في طرف آخر، ثم بدأوا بتجميع الشباب ونقلهم في سيارات شحن ومن ثم إعدامهم في شكل مجموعات وطمرهم، ثلاثة أيام متتالية من المجازر والقتل مارسوه بحق الإيزيديين المسالمين، حتى قامت وحدات حماية الشعب الكردية بالزحف من روج آفا كردستان (سورية) لنجدة الإيزيديين واستطاعت بعد معارك شرسة كسر الطوق «الداعشي»، وبالتالي فتْح ممر آمن للسكان الذين احتموا بجبل سنجار وتوجهت قوافلهم نحو روج آفا وهم متعبون جائعون عطشى، يلفهم الغبار حتى تكاد وأنت تراهم تشعر بأن بشراً من غبار يسيرون متثاقلين نحو الخلاص. يومذاك، اعتبر ذلك الممر الآمن أطول ممر في التاريخ لتخليص شعب من الذبح والسبي والمجازر، فوصل الى روج آفا أكثر من ثلاثمئة ألف شخص من الإيزيديين، وهم يضيفون الإبادة رقم 73 التي تعرضوا لها، الى سجل تاريخهم المأسوي.

إلا أن التنظيم الإرهابي لم يكتف بالقتل والحرق ودفن الإيزيديين أحياء، بل استعاد نصوصاً ادعى أنها تبيح السبي وقت الحرب. ومن هذا المنطلق، تم أسر آلاف عدة من النساء والفتيات الإيزيديات، وأخذهن سبايا حرب، وتم فتح أسواق لبيع السبايا في كل من الموصل العراقية والرقة السورية، وقالت لي الفتاة الإيزيدية «أ .ح» إنها رجت الأمير «الداعشي» أبو عبدالله الجزراوي، أن يبيعها لصديقه مباشرة ولا يعرضها في السوق، فسألتها: وما الفرق عندك؟ فأجابت تصف السوق: «كانت سوق السبابا في الرقة قريبة من جامع... وهي عبارة عن قبو بناء طويل وواسع، كانت الطائرات قد دمرت البناء وبقي القبو، كانوا يأخذوننا هناك ويعرضوننا على الوالي أولاً... ومن ثم الأمراء... ومن ثم الجند... وكل من هؤلاء كان يتفحصنا، ويطلب منا أن نسفر عن وجوهنا وشعرنا، فإن أعجب بنا المشتري دفع ثمننا، وإلا ننتقل الى آخر وهكذا... وطبعاً سخر مني أبو عبدالله يومذاك وقال: سبية ولديك شروط؟ فأخذني الى قبو السوق وهناك اشتراني أبو هريرة الألماني... كنا نباع تماماً كما يشتري أحدهم نعجة... وكما ينتقيها من السوق».

وعن الفروق بين الأسعار، والتي كانت تتراوح بين الألف دولار والخمسين دولاراً فقط، وهل كانت الأسعار تتعلق بالجمال أم بالعمر، فقالت «ن خ.»: «كانوا يفضـــلون البكر، وعندما أسروني كنت أبلغ من العمر أحد عشر عاماً، والآن أنا في الثالثة عشرة من العمر، وقد تم بيعي وإهدائي اثنتين وستين مرة».

الإهداءات كانت تتم على الأغلب بين أمراء التنظيم، أو إذا أراد أحد الأمراء أن يستحوذ على مكانة عند الوالي كان يقوم بإهدائه سبية جميلة، كنوع من الرشوة.

أما «م. ع» والبالغة من العمر 27 سنة فكانت مشكلتها مع أولادها، فقد كانت لديها ابنة عمرها 6 سنوات وولدان 7 و4 سنوات... ويبدو أن جمالها كان وبالاً عليها، فقد كانت تباع وتشترى أحياناً في الشهر سبع مرات أو أكثر، وقالت وهي تبكي وتعدد أسماء الذين اشتروها، واحداً واحداً، تسعين مرة بيعت، لتسعين «داعشياً»،: «كانت مشكلتي هي الأولاد، دعك من حالتي النفسية، لقد حاولت الانتحار مرتين ولم أفلح، وحين عرفوا بمحاولتي جلدوني وعذبوني، كان بعضهم يشتريني ويرفض شراء أطفالي، فنتفرق، أظل أنا بجهة وأطفالي بجهة أخرى، فكنت أنا نفسي أبحث عمن يشتريني مع الأطفال، وأحياناً كنت أوفق وأحياناً لا، وها أنت تراني بطفلين فـ «الداعشي» الأخير أبو عبدالله السخني وكان في معدان قرب حلب، رفض أن يبيع أحد أبنائي، قال إنه سيحتفظ به كعبد... وباعني مع طفلتي وطفلي الصغير، ومن يومها لم أر ابني، ولا أدري ما الذي حدث له».

أما الفتاة «ن.ش» وتبلغ من العمر تسعة عشر عاماً، فكانت مترددة في الكلام وشعرت من بعض جملها كما لو أنها أسلمت على أيدي «الدواعش»، وحين ســـألتها إن كانت الآن لا تزال إيزيدية أم صارت مسلمة، فأجــابت مطــرقة: «الله أعلم»، في حين سألت الكثيرات غيرها السؤال نفسه فكن يجبن على الفور: «كنا نقول لهم إننا أسملنا وكانوا يجبروننا على الصيام، والصلاة، لكننا إيزيديات... ولن نتخلى عن ديننا». وربما لهذا أيضاً، فإن مالك الفتاة «ن. ش» كان سلم المحكمة ورقة تفيد بتحريرها، وأنها حرة، بعد موته، وقد قتل في معارك الطبقة، فتم تحويلها الى «المضافة»، والمضافة هي للنساء اللواتي يفقدن أزواجهن موتاً أو قتلاً في الحرب، يمكثن في المضافة، التي تغص بالنساء كما روت لي، ومن حقها أن لا تتزوج، لكنها لا يجوز شرعاً أن تغادر المضافة.

وأكدت قائلة: «المضافة كانت بمثابة الحـــبس... فــكانت المرأة هناك لا تتحمل العيش أكثر من أسابيع، فتضطر للزواج كي تخرج من مكان يعج بالأوساخ، والشتائم والمراقبة الدقيقة لكل حركة نتـــحركها، ولهذا كان كل يوم يجيء العديد من «الدواعش» الراغبين في الزواج، وتأتي رئيسة المضافة «أم حذيفة التونسية» لتخبر النساء بأن هناك «مجاهداً» يرغب في الزواج، فإن كانت لدى إحداهن رغبة ففي إمكانها أن تلتقيه لمدة نصف ساعة، وكانوا يسمون ذاك اللقاء «النظرة الشرعية».

الناطقة الرسمية باسم وحدات حماية المرأة (الكردية) نـــسرين عبدالله أكدت أن حملة تحرير الرقة كانت تحت اسم «الثأر لنساء شنغال» وأضافت: «نحن لا ننظر الى موضوع الإيزيديات من منطلق ديني أو قومي أو ما شابه، بل نعتقد أن ما يقوم به تنظيم «داعش» الإرهابي بحق النساء بعامة، والسبايا بخاصة، إنما هو موضوع السلطة الذكورية التي لا تزال تعشش في تلك الرؤوس العفنة، ونحن بتحريرنا مئات النساء الإيزيديات إنما حررنا معهن الآلاف والآلاف من العربيات وغير العربيات كذلك، فموضوع المرأة بالنـــسبة الينا مبدأ، ونعمل لتستعيد المرأة مكانتها، بغض النظر عن دينها أو قوميتها، بالطبع ما تعرضت له نساؤنا في شنغال يذكر بعهود الرق، وهي جرائم ضد الإنسانية، وليست فقط مجرد ممارسات ونتائج للحرب، والواقع لم تكن فقط الإيزيديات أسيرات لديهم، بل كانت كل نساء الرقة أسيرات هناك، وان أختلفت قواعد التعامل».