سمير عطا الله 

سألت الدكتور عمرو موسى: مَن يقرأ من كتّاب مصر هذه الأيام؟ وسرني في جوابه أننا متفقان في الخيار، وأنني لست مخطئاً في الرؤية، وأطرح السؤال نفسه دائماً على أصدقائي في السعودية والكويت، وحيث لا تزال هناك صحافة حيّة ومتجددة. وغالباً ما أطرح السؤال على شبان ألتقيهم للمرة الأولى، لكي أعرف مدى التجاوب والتواصل بين الأجيال ومدى ترابط وتشابه الهموم والاهتمامات.
ذكرت غير مرة، وأكرر بالسرور نفسه، أن اللافت هو ارتفاع عدد الكاتبات الراقيات: في السياسة، وفي الاجتماع، وفي القضايا، وأيضاً في السخرية. ومثلما هناك غَثٌّ وغِشٌّ كثير بين الكاتبين الذكور، هناك الكثير منه لدى النسوة أيضاً. لكن التميز عندهن أكثر ظهوراً واستمرارية وجديّة، وكذلك، فإن الهراء والرغاء، أكثر انفضاحاً وشينة.
سألت الدكتور عمرو موسى عن مقياسه في تقييم الكاتب الذي يفضل، قال: لم أفكر في الأمر قبل اليوم، لكنه الكاتب الذي أبحث عنه، أما الذي لا يغير شيئاً، إن كان كتبَ أم لم يكتب، وقرأته أم لم أقرأه، لا أمس ولا اليوم ولا غداً، فلا أعتقد أنه مصنف في فئة الكتّاب.
يفيد الكتّاب بعضهم من بعض، بوعي أو بتلقائية. الكاتب الحقيقي يحفّزني دوماً على ألا أتهامل، والكاتب الآخر يحفّزني دوماً على ألا أتخاذل. كان أهل الريف يقولون إن تفاحة متهرئة واحدة تفسد ألف صندوق، وألف صندوق فاخر لا يعدي تفاحة فاسدة واحدة. عليك أنت دائماً أن تحمي نفسك. لا تحميك جريدة ناجحة، ولا دار نشر كبرى، ولا مهرجان خطابي، ولا فرقة من النقاد تهلل لكتابك الأخير.
ليت القواعد الأخلاقية تسمح لي بإعطاء الأمثلة على الفريقين. لكنني أفرح للكتاب والكاتبات اللامعين الألمعيين المجتهدين، فرحاً لا يوصف. وأشعر أن المزيد منهم ومن تألقهم سوف يحمي هذه المهنة فائقة الروعة والجمال. لأن مثل كل جمال، تقتله العاديات والتكرار والخمول واعتبار الكلمة مجرد تفريغ للحبر، لا غوصاً للعقل والجمع والحصل. وسامحونا اليوم على كثرة السجع، فهو بغير قصد أو عمد. وهو من مظاهر التهافت في اللغة، لذلك، افرنقعت عنه العرب، إلا حيث يكون جزءاً من التكريم، لا التكديس. ومن يكتب من القاموس كمن ينظم من القافية. لذلك، يمر أحياناً مائة شاعر ومائة عام ولا تمر قصيدة واحدة.
والعثور على كاتب تدمن على قراءته، خصوصاً بالنسبة إلى المحترفين أمثالنا، كالعثور على سارية في بحر.