محمد العسومي

كيف تبدو الأوضاع الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي في العام الجديد؟ سؤال مهم يشغل بال الكثيرين، فهناك العديد من التطورات الاقتصادية والجيو – سياسية التي ستجد لها انعكاسات على الأوضاع العامة، والتي يأتي في مقدمتها تقلبات أسعار النفط وأداء القطاعات غير النفطية والحرب اليمنية والتدخلات الإيرانية والأزمة القطرية.

لقد تأثرت الأوضاع الاقتصادية بمجمل هذه العوامل في عام 2017، سواء بصورة إيجابية أم سلبية، وهو ما يسهل قراءة هذه الأوضاع في العام القادم والخروج بتوقعات ربما تكون الأقرب إلى ما قد يحدث في الأشهر القادمة. بشكل عام ستكون الأوضاع الاقتصادية في عام 2018 أفضل عنها في العام الجاري، والذي أشرف على نهايته، فمتوسط سعر برميل النفط سيكون أعلى بفضل العديد من العوامل، كالتزام الدول المنتجة داخل «أوبك» وخارجها بتخفيض الإنتاج وارتفاع الطلب العالمي بمعدل 1.5 مليون برميل يومياً، علماً بأن صندوق النقد الدولي رفع معدل نمو الاقتصاد العالمي إلى ما يتجاوز 3% في العام القادم، مما يعني زيادة الطلب على النفط.

سيؤدي ذلك دون شك إلى ارتفاع في العائدات النفطية، وبالتالي ضخ المزيد من السيولة في شرايين الاقتصادات الخليجية، وتوافر إمكانات حقيقية لتخفيض العجز في الموازنات العامة، مما يعني تنشيط القطاعات غير النفطية وزيادة معدلات نموها، وبالأخص القطاع المالي والمصرفي المهم للغاية، والذي تأثر بفعل الأوضاع المالية العامة في السنوات الماضية.

وفي هذا الجانب هناك مؤشرات إيجابية برزت مع إعلان موازنتي الإمارات والسعودية، فالأولى صدرت دون عجز تقريباً، في حين تم تخفيض العجز في موازنة السعودية لعام 2018، كما أن الديون السيادية لا تشكل نسبة تذكر من الناتج المحلي للإمارات، في حين لا تتجاوز 17% من الناتج المحلي للسعودية، وهو الأقل بين مجموعة الـ20 التي تضم أكبر اقتصادات العالم، وهو ما يمنح هاتين الدولتين مرونة مالية كبيرة لإدارة الأوضاع الاقتصادية بما يتناسب ورؤيتيهما للمستقبل. وتتمتع الكويت كذلك بوضع مالي قوي واحتياطيات مالية هائلة، إلا أن قطاعاتها غير النفطية بحاجة للمزيد من الاستثمارات، بما في ذلك العمل على جذب استثمارات خارجية تصحب معها التكنولوجيا المتقدمة والخبرات العالية. ومع أن معدل الدين العام ارتفع في البحرين خلال السنوات الماضية، إلا أنه لا يزال تحت السيطرة، حيث ستمنح أسعار النفط المرتفعة المزيد من المرونة لإدارة هذا الدين، علماً بأن القطاعات غير النفطية تحقق معدلات نمو جيدة، خصوصاً وأن البحرين استطاعت في عام 2017 جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وفق تقارير مجلس التنمية الاقتصادية هناك، كما يتم العمل على تنفيذ مشاريع كبيرة ومهمة للاقتصاد البحريني.

الاقتصاد العُماني سيستفيد بدوره من الأسعار الحالية المرتفعة نسبياً لأسعار النفط، كما أن عُمان تمكنت في السنوات القليلة الماضية من تطوير وتنشيط بنيتها التجارية، وبالأخص إنشاء موانئ جديدة أكسبتها المزيد من الأهمية في التجارة الإقليمية، مما سينعكس إيجاباً على نمو القطاعات غير النفطية. وحده الاقتصاد القطري سيكون الأقل استفادة من هذه التطورات، حيث قلل صندوق النقد الدولي من معدل نمو الاقتصاد القطري، وذلك بسبب انخفاض السيولة والاستثمارات الأجنبية والارتفاع الهائل في الإنفاق على التسلح، وهي النتائج التي تمخضت عن المقاطعة، وذلك إضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم وتأثر العملة المحلية، والتي يبذل البنك المركزي هناك جهوداً مستمرة للمحافظة عليها، مما يتطلب من متخذي القرار هناك إعادة النظر في النهج السابق المعادي لدول الجوار والتفكير بعمق في المستقبل الاقتصادي للشعب القطري. وللأسف، فإن هذه المساحة لا تتسع للتطرق لبقية العوامل الرئيسية المؤثرة في عام 2018، إلا أن دول المجلس الخمس، فيما عدا قطر ستعزز من أوضاعها المالية والاقتصادية وستحقق معدلات نمو تتراوح ما بين 3-3.5%، وهو بحد ذاته مؤشر إيجابي مهم للمضي قدماً في تنفيذ البرامج التنموية المعتمدة.