إدريس لكريني

يستعد العالم لتوديع عام 2017 الذي كان حافلًا بالأحداث التي لم تخل من تأثيرات وانعكاسات إقليمية ودولية، بدأت بوصول «دونالد ترامب» إلى البيت الأبيض رغم الجدل الكبير الذي رافق الشعارات التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، والتي لم تخل من مبالغة واستفزاز، وخصوصاً فيما تعلق منها بقضايا الهجرة والبيئة والسياسات الاجتماعية..

لم يبد العالم مواقف حاسمة وسياسات ناجعة في مواجهة تحديات الهجرة السّرية التي ما زالت تحصد الأرواح في مناطق مختلفة من العالم، فقد أضحى البحر المتوسط يجسد شبح الموت، وهو ما تؤكده الكثير من التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية والإقليمية المختصة والتي تحمل معطيات إحصائية حول ضحايا الهجرة غرقاً أو برداً أو جوعاً. وما يزيد الأمر خطورة هو ذلك الارتباك الحاصل على مستوى تعاطي الدول الأوروبية مع الظاهرة، عبر سياسات متباينة، غالباً ما يحكمها الهاجس الأمني على حساب المعاناة الإنسانية. 

ورغم الجهود الدولية المبذولة على مستوى مواجهة التلوث الذي يطال البيئة، فإن الواقع الدولي يبرز حجم الأخطار التي تحيط بالحياة على وجه الأرض، بسبب سوء استغلال الموارد وعدم اعتماد مبادرات تنموية مستدامة تستحضر البعد البيئي ضمن مرتكزاتها، وعدم انخراط بعض الدول الصناعية الكبرى كالولايات المتحدة في هذه الدينامية، ففي منتصف السنة، أعلن الرئيس «ترامب» انسحاب بلاده من اتفاقية باريس للمناخ الموقعة عام 2015 تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة، والتي دخلت حيز التنفيذ في السادس من شهر نوفمبر 2016، حيث تجاوز عدد الدّول الموقعة عليها المائة والتسعين. ورغم حصيلته فيما يتعلق باتفاق الدول المشاركة على تمويل صندوق خاص لمواجهة التغييرات المناخية، لم يتمكن مؤتمر المناخ العالمي المنعقد في مدينة «بون» بألمانيا خلال هذه السنة من تحقيق نتائج مرضية على طريق مواجهة المشاكل والتحديات الخطيرة التي تحيط بالبيئة في إطار تضامني ومبني على العدالة المناخية..

حقّق المجتمع الدولي بعض التطور الطفيف على مستوى مكافحة الإرهاب، وبخاصة مع تصاعد الضغوطات والتضييقات التي طالت التنظيمات المسلحة وعلى رأسها تنظيم «داعش» في كل من العراق وسوريا، وهو ما أفرز حالة من الارتياح في هذه المناطق، وخلق أجواء من التفاؤل بصدد تطور الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة.

ورغم ذلك، مازال خطر الإرهاب مطروحاً وبحدّة، مع تزايد احتمالات عودة عدد من المقاتلين إلى بلدانهم الأصلية أو التمركز في عدد من مناطق الصراع والأزمات كما هو الشأن بالنسبة لمنطقة الساحل الإفريقي، مما يفرض بذل المزيد من الجهود، لمحاصرة الظاهرة في إطار من الشمولية والتعاون والتنسيق الدوليين.

وخلال السنة شهد كل من إقليمي كردستان في العراق وكاتالونيا في إسبانيا محاولتي انفصال فاشلتين، شكلتا معا تحدّيا للمجتمع الدولي برمته، وخرقاً لدستور البلدين ولمبادئ القانون الدولي المتصلة باحترام وحماية سيادة الدول، وقد رافق إجراءهما تنديد ورفض داخلي ودولي، بالنظر إلى خطورة هذين التوجهين غير المحسوبين، وتداعياتهما المفترضة على الأمن والاستقرار الداخليين والدوليين..

وشهدت فرنسا هزة انتخابية قوية، عصفت بمرشحي عدد من الأحزاب التقليدية، لتحمل المرشح الوسطي عن حركة «إلى الأمام» «إيمانويل ماكرون» إلى سدّة الرئاسة بفارق كبير ومتميز عن مرشحة حركة اليمين المتطرف «مارين لوبين».
ونجح رواد شبكات التواصل الاجتماعي وعدد من الهيئات الحقوقية في طرح مأساة مسلمي «الروهينجا» أمام أنظار الرأي العام، وساهمت بشكل كبير في التحسيس بمعاناتهم، قبل أن تواكبها مختلف القنوات الإعلامية العالمية. ورغم تنامي المواقف المندّدة بهذه الأعمال وبالحكومة في بورما التي لم تتحمل مسؤوليتها في وقف المعاناة.. ظلّت ردود فعل الدول الكبرى والمنظمات العالمية وعلى رأسها الأمم المتحدة دون المستوى المطلوب.. مما عمق هذه المعاناة أكثر. 

لم تمنع العقوبات الصارمة المفروضة على كوريا الشمالية، من توجّه هذه الأخيرة إلى الاستمرار في تطوير ترسانتها النووية وإطلاق تجارب ضخمة في هذا الشأن، وهو ما دفع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى إصدار قراره رقم 2371 أعرب فيه عن بالغ قلقه إزاء التجربتين النوويتين اللتين أجرتهما كوريا الشمالية بتاريخ 03 و28 تموز/ يوليو 2017، ودان هذا السلوك الذي اعتبره شكلا من أشكال تهديد السلم والأمن الدوليين، مبديا قلقه أيضا إزاء الصعوبات التي يعانيها سكان هذا البلد بفعل إهدار الإمكانات المالية والاقتصادية المتاحة في سبيل الإنفاق على التسلّح النووي.. وفي غياب أي تقدّم على مستوى الخيارات التفاوضية والسلمية الكفيلة بخلق أجواء من الثقة بين مختلف الأطراف تضمن التقليل من حدّة التهديدات التي تطلقها الولايات المتحدة من جانب، وتلك التي يطرحها النظام الكوري الشمالي.. تظلّ هذه الأزمة مرشحة لمزيد من التوتر.

وفي المنطقة العربية، ما زالت تحولات الحراك تلقي بتداعياتها السلبية على الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية الداخلية لعدد من الدول، وعلى العمل العربي المشترك، ما أتاح الفرص لقوى دولية وإقليمية للتهافت على المنطقة للقيام بأدوار ملتبسة، مّا عمّق مشكلات النظام الإقليمي العربي الذي بدا في أسوأ حالاته خلال هذا العام، وبخاصة بعد تفجر الأزمة الخليجية التي أثرت بالسلب على مسار اتحاد مجلس تعاون الخليج العربي، بعد إعلان كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وعدم تجاوب هذه الأخيرة مع المطالب المطروحة.

في هذه الأجواء، التي تشهد أيضا تصدعاً في الجسم الفلسطيني، أصدر الرئيس الأمريكي «دونالب ترامب» قراراً يقضي بنقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى القدس، وهو ما خلف موجة غضب عارمة في عدد من الدول العربية والإسلامية.. ورغم عدم تمكن مجلس الأمن من إصدار قرار يدين هذا القرار أو يطالب بإلغائه، فإن هذا الأخير سمح بعودة القضية الفلسطينية إلى عمق النقاش الدولي من جديد.. خصوصاً بعد القرار الذي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بهذا الخصوص وبأغلبية كبيرة.