مصطفى زين

 «جيش سورية الديموقراطية»، «وحدات حماية الشعب»، «وحدات حماية المرأة»، «جيش سورية الجديد»... إلى آخره من جيوش. كلها مجموعات تتلقى الدعم الأميركي، تسليحاً وتدريباً وتخطيطاً وتوجيهاً سياسياً، لتعويض الفشل الذي منيت به إدارة أوباما عندما دفعت مئات ملايين الدولارات لتسليح سوريين انتقلوا فور انتهاء تأهيلهم إلى صفوف «النصرة» و «داعش»، وبعضهم عاد ليلتحق بالجيش النظامي. لكن التعويض لا يتوقف عند تشكيل هذه «الجيوش» وعقد التحالفات لمحاربة «داعش»، على ما تدعي واشنطن، أو لمنع التنظيم من ملء الفراغ في المناطق التي استعادتها دمشق بالتعاون مع موسكو بسبب «تواطؤ النظام» أو «ضعفه». فلهذه التشكيلات العسكرية وظيفة أبعد من محاربة الإرهاب، وبعضها كان ضالعاً فيه.

«مؤسسة راند» (من أهم مراكز الأبحاث الأميركية المتعاونة مع الجيش) نشرت دراسة في عنوان «خطة سلام من أجل سورية»، يبدو أن إدارة ترامب تعتمدها حرفياً. تحرص الدراسة على تجذير نفوذ واشنطن في سورية، آخذة في الاعتبار استمرار وجود النظام، بعد إضعافه في معظم المناطق من خلال تشكيل إدارات محلية تتمتع بحكم ذاتي، لكل منها سلطاتها المستقلة عن دمشق في ما يشبه الاتحاد الكونفيديرالي. والحد من النفوذ الروسي والإيراني، من خلال وجود دائم للقوات الأميركية والحليفة، بموافقة الأمم المتحدة و «رقابتها». ويمكن تلخيص دراسة «راند» بالنقاط التالية:

- إنشاء ثلاث مناطق آمنة في الأراضي السورية: واحدة للعلويين تمتد على طول الساحل حتى الحدود اللبنانية.

- منطقة للأكراد في الشمال (تضمن واشنطن عدم تشكيلها خطراً على تركيا).

- منطقتان للمعارضة المعتدلة في حلب وحولها، وأخرى في درعا وما حولها.

- منطقة حرب إذا لم تنسحب «داعش» أو تهزم فيها، على أن تتولاها قوى دولية.

- الاتفاق على صيغة لامركزية لحكم سورية، وتسيير المناطق شؤونها، لا سيّما في الرقة التي ستكون تحت إشراف دوليّ بعد طرد «داعش».

- البدء بمفاوضات بين كل القوى المحلية والإقليمية تمهِّد لإصلاح سياسي.

تأخذ الدراسة في الاعتبار عدم التوافق على رئيس واحد لسورية أو على حدود هذه المناطق الآمنة فتقترح تأجيل عملية الانتقال السياسي الشامل، إلى حين التوصل إلى اتفاق. تشير كل الوقائع إلى أن واشنطن تسير بموجب هذه الدراسة خطوة خطوة. تؤكد ذلك تصريحات تيلرسون ومسؤولين آخرين عن عدم جدية النظام في محاربة «داعش»، و «سماحه» للتنظيم بالتحرك بحرية في المناطق التي يسيطر عليها. وإصرار واشنطن على تدريب الجيوش التي سبق ذكرها كي تكون جاهزة للتحرك في مواجهة دمشق، إو إفشال محاولاتها السيطرة على «المناطق الآمنة» دفاعاً عن «المكونات» المعرضة للإبادة. وإضعاف الحكم المركزي، سواء بقي الأسد أو لم يبق ليسهل تنفيذ خطة استراتيجية أوسع تتعلق بالمشرق كله. ويؤكد ذلك أيضاً الموقف الروسي الذي عبر عنه سيرغي لافروف عندما أعلن «جبهة النصرة» العدو رقم واحد بعد «داعش». و «النصرة»، كما هو معلوم، تحظى بدعم تركي وقطري باعتبارها الجناح العسكري لـ «الإخوان المسلمين».

لم يكن إفشال مؤتمر سوتشي الذي تعول عليه موسكو كثيراً سوى محاولة من واشنطن لتطبيق خطتها، بالتعاون مع الحلفاء، وعدم السماح لبوتين بالتفرد في الحل، مراهنة على أن ضعف روسيا اقتصادياً سيدفعها في نهاية المطاف إلى الرضوخ وتقديم تنازلات، وإلى التوقف عن اعتبار الوجود العسكري الأميركي والتركي غير شرعي، بالتالي القبول بالقواعد العسكرية الأميركية في الشمال، مقابل قاعدة طرطوس، وتقاسم النفوذ في سورية المقسمة إلى أقاليم ومحافظات و «مكونات» تتكفل «الجيوش» الدفاع عنها، بدعم «دولي» وإقليمي.

خطة «السلام في سورية» وصفة جديدة لتقسيمها.