عائشة المري 

شهدت نهاية عام 2017 انطلاق المظاهرات في المدن الإيرانية بسبب سوء الأحوال المعيشية وغلاء أسعار البضائع والمواد الاستهلاكية، فضلاً عن ارتفاع معدل البطالة بشكل كبير. وقد ندد المتظاهرون بسياسات حكومة الملالي، الداخلية والخارجية، مطالبين بتنحي المرشد الأعلى «خامنئي» والرئيس «روحاني». وخرجت المظاهرات في مدن كرمانشاه وقم والأهواز وأصفهان وقوجان وساري وقائمشهر وقزوين ورشت وزاهدان وهمدان وخرم آباد وسبزوار وبجنورد، لتمتد لطهران يوم الجمعة الماضي رغم التحذيرات التي أطلقها مسؤولون إيرانيون، اعتبروا المظاهرات «تجمعات غير قانونية»، حيث شنت أجهزة الأمن حملة لتفريق مئات الأشخاص تجمعوا في ساحة عامة وسط طهران، للاحتجاج على ارتفاع الأسعار وسياسة النظام الاقتصادية.

واندلعت الاحتجاجات عقب تزايد الانتقادات من جانب معارضي الرئيس روحاني على سياساته، ولم ينجح دفاع روحاني وأعضاء حكومته، عن أدائها الاقتصادي وتأكيدهم خفض معدل التضخم، في تخفيف حالة الغضب الشعبي المتصاعد، خاصة بعد إعلان الحكومة عن ميزانية العام 2018 التي أشعلت جدلاً إعلامياً وشعبياً لم يهدأ بعد.

وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد اقترح على البرلمان في 10 ديسمبر، مسودة ميزانية حكومية متحفظة بقيمة نحو 104 مليارات دولار للسنة الإيرانية التي تبدأ في 21 مارس 2018. وهو ما يزيد بنحو 6% عن خطة ميزانية السنة الحالية، لكن مع بلوغ معدل التضخم 10%، فإن الميزانية تعد امتداداً للسياسة المالية المتحفظة التي انتهجها روحاني بعد توليه منصبه في 2013. وقال روحاني في كلمة بثها التلفزيون الحكومي، إن الميزانية «ستعمل باتجاه تحقيق التوظيف الكامل والقضاء على الفقر، وخلق عدالة اجتماعية». ويتعرض روحاني لضغوط متزايدة من أجل تحسين مستويات المعيشة بالقدر المأمول، وتعزيز النمو الاقتصادي، وخلق وظائف بعد رفع العقوبات التي كانت مفروضة على إيران، كما روجت لذلك حكومة روحاني بعد توقيع الاتفاق النووي.

وتشير الأرقام الاقتصادية إلى أن الاقتصاد الإيراني كان قد بدأ بالتعافي في 2016 بعد رفع معظم القيود بموجب الاتفاق، ونما الناتج المحلي الإجمالي 12.5% العام الماضي، حسب صندوق النقد الدولي. لكن هذا التحسن سرعان ما تراجع، كما أنه لم ينعكس على hلقطاعات الأخرى من الاقتصاد، وهي الأكثر أهمية في حياة معظم الإيرانيين.

ويشكل معدل البطالة البالغ رسمياً 12.5٪، مصدراً للقلق العام، وقال روحاني في كلمته: «إن 840 ألف شخص سيدخلون سوق العمل في العام القادم».

وكشف علي لاريجاني، رئيس البرلمان الإيراني، عن قطع الدعم عن ملايين الأفراد (11 دولاراً لكل فرد شهرياً)، إلى جانب رفع أسعار الطاقة، بهدف توفير السيولة المالية لموازنة 2018. وأوردت وسائل إعلام إيرانية على لسان روحاني قوله، إن فرض الضرائب على المواطنين وقطع المنح عنهم، كان لتأمين ميزانية كافية، فالحكومة مجبرة على تقليص ميزانيات التعليم والصحة وبناء المشاريع الإنمائية، بسبب عجزها المالي، وعدم تمكنها من تقليص ميزانيات المؤسسات الدينية والعسكرية، إذ في مقابل تقليص ميزانيات الخدمات، ارتفعت مخصصات الحرس الثوري إلى 7.6 مليار دولار، مقارنة بـ 4 مليارات دولار في الموازنة السابقة.

وكان وزير الداخلية الإيراني عبد الرضا رحماني فضلي، قد صرح في أكتوبر الماضي بأن معدل البطالة الحالي في إيران يفوق 12%، بينما وصل في بعض المدن إلى 60%.

وعلّق خبراء اقتصاديون إيرانيون على الميزانية بالقول إنّها «ميزانية تضخمية، وميزانية التضخم هي ميزانية ضد توفير الفرص الوظيفية، وهذا يعني انتشار الفقر والبطالة ومظاهر اجتماعية أخرى ذات خطورة مرتفعة».

وفي انتظار أن يجيب النظام الإيراني على التساؤل الحتمي: الداخل أولاً أم الخارج أولاً؟ كل عام وأنتم بخير.