عبير العلي

لو أن الشعوب العربية آمنت بأحقية الفرد في اختيار دينه ومذهبه وتوجهه الفكري، وآمنت بالتعدد والتنوع والاختلاف الذي فطر الله عليه الإنسان، لما وجد نفسه مضطرا للبحث عن بلاد أخرى يهاجر إليها

تتصدر أميركا دول العالم في قائمة برنامج التوطين للمهاجرين الذين يأتي معظمهم من الدول العربية والإسلامية والإفريقية، والتي تعاني بلدانهم -بشكل خاص- الفقر وغياب العدالة الاجتماعية، أو تشهد حروبا وصراعات سياسية. 
وقد توقف برنامج التوطين هذا لثلاثة أشهر، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ثم عاود نشاطه المعتاد وعادت أميركا هي الوجهة الأولى للباحثين عن الحرية والعدالة وفرص العمل. 
حاليا، تسود العالم موجة غاضبة ومستهجنة لقرار الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب الذي وعد به خلال حملته الانتخابية، وأدخله حيّز التنفيذ خلال الأيام السابقة، بتوقيعه قرارا تنفيذيا بمنع منح تأشيرات الدخول لمواطني سبع دول اتفق أنها جميعا دول إسلامية وعربية. 
لدى ترمب وحكومته المبرر لمثل هذا القرار الذي يرى فيه مصلحة لأمن أميركا القومي، وحماية لها من أي أسباب تؤدي إلى احتمال وقوع أعمال إرهابية قادمة بسبب رعايا قدموا من تلك الدول. 
ولدول العالم الغربي أيضا مبررها لاعتراضها على قرار ترمب الذي أزعجهم تنفيذه بشكل عملي، لأنهم لا يريدون تحمل عبء المهاجرين والنازحين من دول الاقتتال وحدهم، ويرغبون في أن تتشارك معهم أميركا في هذا، خاصة مع تواطؤ دول العالم الكبرى مع الأعمال الإرهابية، وسكوتها عما يحدث في بعض جهات العالم من حروب وصراعات سياسية، تتجنب التدخل فيها بحلول سلمية وحاسمة، حتى استمر بعضها سنوات طويلة، كما هو حاصل في سورية على سبيل المثال. 
قد تكون بعض الدول الغربية تهتم بالجوانب الإنسانية بالفعل، فيما يخص المهاجرين والنازحين، وتقدم لهم بالفعل ما يخفف معاناتهم التي حملوها معهم عقب صراعات سياسية واقتصادية أكبر من تصوراتهم الطائفية، لكن تبقى تلك الدول تهتم لمصالحها الاقتصادية والاجتماعية بشكل أولي، وهذا حق لها ولأي دولة في العالم -كأميركا- خاصة في جوانب الأمن والسلم العام. 
بالنظر إلى الهجمات التي تعرضت لها الدول الغربية في السنوات الأخيرة، نجد أن معظم من قام بها تخطيطا وتنفيذا هم من المهاجرين إلى تلك الدول، أو أبناء مهاجرين قدامى وصلوا إلى تلك الدول واستقروا فيها، وتلقوا رعايتها وخدماتها، ولكن بقت في داخلهم بذرة قابلة لتلقي التعليمات التي تجد الغرب مدانا بذنب الكفر، ومستحقا أيّ عمل يثبت خلاله الإرهابي أنه قام بعمل بطولي يرمم عقدة النقص التي يحملها معه أينما ذهب في هذا العالم، وأنه قام بعمل شرعي جاهد خلاله أعداء الله في ظنه، الذين يفتحون أذرعتهم دون تحفظ لمن يريد بينهم الاستقرار. 
هل هذه الخلفية من احتمال الإرهاب، والتي تجمع تلك الدول السبع التي أوقف ترمب من أجلها إصدار تأشيرات دخول لأميركا، بعضها دائم وبعضها مؤقت، سبب كاف ومقنع حتى نرضى به ونبرره؟
بشكل عام، الحكم على دولة كاملة ورعاياها بأنها إرهابية أو ترعى الإرهاب، هو حكم جائر، لأن لغة التعميم في أي أمر غير منطقية وغير منصفة، وتصرف ترمب هذا يبقى حقا تملكه أي حكومة في العالم ترى أن من مصلحتها منع رعايا أي دولة أخرى من دخول بلادها، ولا يتعارض هذا مع قيمها الديمقراطية. 
ما ينبغي أن ينتبه إليه جيدا المعارضون لقرار الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب من شعوب الدول العربية والإسلامية، هو ذلك الحراك الشعبي داخل أميركا نفسها، الذي يعارض قراره هذا ويقف مع المسلمين وينتصر لهم ويرفض التعميم الذي يلوح به ترمب في خطاباته بأن المسلمين جميعهم إرهابيون، وكيف أنهم يعتصمون لأجلهم ويرفعون شعارات مناصرة وإنسانية، حتى وإن كانوا من ديانات أخرى وخلفيات ثقافية وفكرية لا يؤمنون بها بالأصل، ويمقتونها ويحتقرونها في بلدانهم الأصلية. 
عليهم أن يتعلموا منهم دروس العلمانية والديمقراطية التي يقدمونها بتصرفاتهم المتحضرة تلك، التي يقدمونها مجانا للعالم كله، خاصة تلك التي تقوم على أهمية تقبل الآخرين وتؤمن بالتعدد الديني والفكري، وترفض الحكم على الفرد بسبب خلفيته الدينية والمذهبية والجندرية والجغرافية. 
فلو أن الشعوب العربية آمنت بأحقية الفرد في اختيار دينه ومذهبه وتوجهه الفكري، وآمنت بالتعدد والتنوع والاختلاف الذي فطر الله عليه الإنسان، لما وجد نفسه مضطرا للبحث عن بلاد أخرى يهاجر أو ينزح إليها بعد أن تؤذيه بلاده بالحروب والصراع والظلم والجهل، ليبحث عن نفسه الحرة وطبيعته الإنسانية.
قرارات الدول السيادية وما نراه من ظاهر احتجاج الدول الأخرى عليها لها أسبابها السياسية والاقتصادية التي لا ندركها كأفراد، لا نعلم عما تخفيه بعضها؛ وأي دولة لها الحق في الحفاظ على هويتها الاجتماعية إذا ما شعرت بالخطر من أي تأثير اجتماعي، أو الحرص على أمنها باستبعاد الأفراد الخطرين منهم. وسنلحظ أنه رغم هذه الاحتجاجات على قرار دونالد ترمب هذا ستبقى "ماما أميركا" هي الحلم الأول لمعظم المواطنين العرب والمسلمين حول العالم، والنموذج الحلم للحرية التي يفتقدونها في بلادهم، ويبحثون عنها خارج حدودهم.