عبدالله موسى الطاير

الملك سلمان بن عبدالعزيز كان صريحا بما فيه الكفاية عندما قال للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بأن علاقة المملكة مع أميركا مفيدة للعالم، ومفيدة للشرق الأوسط، وترغب المملكة في أن يكون هناك تعاون في كل المجالات، وأنها - بحمد الله ليست في حاجة لشيء -، وإنما المهم أن يكون هناك استقرار في المنطقة يخدم شعوبها. وكرر الملك سلمان في مكالمته مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أهمية العلاقات السعودية الأميركية للعالم عموما، ولاستقرار المنطقة خصوصا.

السعودية ليست دولة ثورية، ولم يعرف عن خطابها تشنجا يتعارض مع البناء والتنمية؛ كونها دولة مدنية تحاول جهدها أن توظف العلاقات الجيدة مع أميركا لصالح التنمية الداخلية والتعاون الأمني وبما يخدم دول مجلس التعاون والعالم العربي والإسلامي

هناك دول منهارة، وتنظيمات تملأ فراغ الحكومات الغائبة، ومليشيات تكرس مصالح دول تسعى للهيمنة مثل إيران، وهناك عالم إسلامي يموج غضبا على ما تقوم به إيران في حق المسلمين السنة وتشجيعها الخطاب الطائفي البغيض. إذا لم تجد السعودية دعما من الإدارة الأميركية للجم إيران ووضع حد لتدخلاتها في المنطقة فإن الانفجار الكبير قادم لا محالة لأن للصبر حدودا، وللاحتمال مستويات لا يمكن تجاوزها.

سائق سيارة أجرة - في باريس - مغربي من أصول أمازيقية أقسم أيمانا مغلظة أنه يحب العرب، مضيفا بأن المسلمين يشعرون بالغبن من التدخل الإيراني في المنطقة وأنهم ينظرون الى السعودية كمرجع موثوق وليس ايران. هو الذي ابتدأ هذا الحديث ولست أنا، ولم يكن أمامي سوى تهدئته والتأكيد على أن السعودية داعية سلام وليست داعية حروب وصدام. في أعماقي كنت فرحا أن للمملكة هذا الامتداد الصادق على الرغم من بشاعة الدعاية الموجهة ضدها.

لماذا على أميركا أن تفهم رسالة السعودية وتقدر دورها في المنطقة؟ ربما ألخص ذلك في عدة أسباب؛ أولها أن السعودية كانت وفية لتحالفها مع أميركا منذ فبراير 1945م، ولم تنتهج سياسة تهدد مصالح الولايات المتحدة الأميركية، وإذا تعارضت مصالح البلدين فإنهما قادران على الحوار، وثانيهما أن السعودية ليست دولة ثورية، ولم يعرف عن خطابها تشنجا يتعارض مع البناء والتنمية؛ كونها دولة مدنية تحاول جهدها أن توظف العلاقات الجيدة مع أميركا لصالح التنمية الداخلية والتعاون الأمني وبما يخدم دول مجلس التعاون والعالم العربي والإسلامي. وتروي الأحداث وساطة المملكة بين الصديق الأميركي وكل من العراق، وسورية، وليبيا، ومصر، وباكستان ومؤخرا السودان، وثالث الأسباب أن السعودية قدمت أنموذجا ناجحا في مكافحة الإرهاب، وأسهمت بمبادرات عالمية، وهي جادة في مشروعها على المستوى المحلي والإسلامي والدولي، ولا يمكن أن تقدم دولة واحدة دليلا على أن السعودية كدولة أو مسؤولين قد أسهموا في دعم الإرهاب فكريا أو ماديا أو رضوا به أيا كان مصدره.

ورابعها أن المملكة حافظت على خطاب ديني معتدل من خلال الحرمين الشريفين، على الرغم من تعرضها لضغوط من دول ثورية عديدة لتسييس خطب الحرمين الشريفين، ومع ذلك فإنها بقيت متمسكة بمبدأ التعايش ومحبة الخير لها وللآخرين. وخامسها أن المملكة هي المرجع الموثوق لمليار ونصف المليار مسلم حول العالم، وإذا استثني المؤدلجون والمأجورون فإن المسلمين في كل ما يتعلق بعباداتهم يسألون عن رأي علماء الحرمين ويعملون به. أن السعودية لا تتدخل في شؤون الآخرين، وسادسها أن عشرات الآلاف من السعوديين الذين درسوا في أميركا منذ توحيد المملكة أسهموا في قيادة المؤسسات ومد جسور الود بين الشعبين السعودي والأميركي.

هناك تفاؤل حذر في جميع الأوساط السعودية والخليجية بأن الفترة القادمة ستكون أفضل من السنوات العجاف التي مرت بها المنطقة، وهناك رغبة أكيدة في إعادة الاستقرار ثم ترميم ما هدمته أعاصير الربيع المرسلة.