احتدم أمس مجدداً السباق نحو مدينة الباب، معقل «داعش» الحضري الأخير في محافظة حلب. وفيما سيطرت القوات النظامية السورية على بلدة العويشية بعد يوم من سيطرتها على بلدة عران المجاورة جنوب الباب، دارت معارك عنيفة بين «داعش» وفصائل «درع الفرات» والقوات التركية في بلدة بزاعة، تمكن الطرف الأول خلالها من استعادة السيطرة على البلدة ومنع تطويق الباب من جهتها الشرقية. ويُعطي إصرار الجيش النظامي السوري والأتراك وحلفائهم على السيطرة على الباب، انطباعاً بأن الطرفين يتسابقان على تقاسم «تركة داعش» في الشمال السوري، حتى ولو هدد ذلك بحصول صدام مباشر بينهما. 

وبالتوازي مع جولة الحوار «التقني» التي جمعت ممثلين عن روسيا وتركيا وإيران في آستانة مجدداً للبحث في «خطوات تقنية لدعم وقف النار وتوفير آليات عملية لضمان عدم وقوع انتهاكات» للهدنة السورية، صعّدت موسكو لهجتها حيال السجالات الدائرة حول تمثيل المعارضة في وفد موحد في مفاوضات جنيف المقبلة المقررة في 20 شباط (فبراير) الجاري. وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بلاده تؤيد استئناف المفاوضات السورية - السورية برعاية المبعوث الخاص للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا. وقال «نعتقد أن إطارها يجب أن يكون واسع التمثيل وشاملاً، كما نص قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254». ولفت إلى أن موسكو «تتخذ خطوات محددة لمساعدة عملية جنيف، التي أعطت مفاوضات آستانة زخماً إضافياً».

وأعلنت موسكو أمس أن ألكسندر لافرينتيف، مبعوث الرئيس الروسي الخاص لشؤون التسوية السورية، زار طهران في إطار المشاورات التي تجريها روسيا لتثبيت الهدنة ودفع جولة المفاوضات المقبلة. ونقلت وكالة «تاس» الرسمية الروسية، أن محادثات لافرينتيف مع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، تتناول نتائج مفاوضات آستانة، وخطة العمل المشترك في مجال السياسة والأمن. وقال شمخاني على هامش استقباله لافرينتيف في طهران، إن السلام في سورية لا يمكن أن يتحقق في ظل وجود تنظيم «داعش» و «جبهة النصرة والجماعات المرتبطة بها». واعتبر أن أهداف اجتماع آستانة تحققت كلها، مضيفاً أن التعاون بين إيران وروسيا كفيل بـ «تثبيت النجاحات الميدانية والمبادرات السياسية» التي تقدمت بها الدول الراعية للهدنة وهي تركيا وروسيا وإيران. وشدد شمخاني على التزام بلاده بمتابعة الحل السياسي لإنهاء الأزمة السورية، مؤكداً «أن العمل العسكري سيكون مؤثراً لمواجهة الفصائل التي ترفض إلقاء السلاح».

وتحدثت أوساط سياسية إيرانية عن قلق في طهران حيال «النظام الفيديرالي» الذي اقترحته روسيا لسورية، معتبرة ذلك مقدمة لإمكان تقسيم سورية «ولا داعي لطرحه في الوقت الحاضر». وفي هذا الإطار، قال محمد علي مهتدي، مستشار «مركز الدراسات الاستراتيجية» في طهران، إن الفيديرالية هي «محاولة لجمع الأجزاء المقسمة» لكنها «غير نافعة لدولة ذات سيادة تخوض حرباً منذ خمس سنوات لمواجهة حالات تقسيمية انفصالية»، مشيراً إلى أن إيران ترفض الفيديرالية إذا كانت مقدمة لتقسيم سورية.

ميدانياً، احتدمت المعارك أمس قرب مدينة الباب آخر معاقل «داعش» في ريف حلب الشمالي الشرقي، إذ تمكن التنظيم من إبعاد فصائل «درع الفرات» المدعومة بقوات تركية بعد ساعات فقط من تقدمها نحو بلدة بزاعة شرق الباب.

وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أمس بأن طائرات حربية لم يتضح هل هي تركية أم تابعة للتحالف الدولي، شنّت غارات على بلدة بزاعة التي استعاد «داعش» السيطرة عليها إثر هجوم معاكس تضمن تفجير عربة مفخخة تبعها «هجوم لعناصر انغماسية» نجحت في طرد القوات التركية وفصائل «درع الفرات» من البلدة، موضحاً أن بزاعة «تُعد البوابة التي ستتيح لقوات درع الفرات التقدم نحو الباب».

ولو تمكنت فصائل «درع الفرات» من تثبيت سيطرتها على بزاعة لكان الخناق قد ضاق بشدة على «داعش» في الباب، إذ إن القوات النظامية السورية تتقدم في الوقت نفسه من جنوبها.