حمد العامر 

في (24 ديسمبر 2016م) دخلت القضية الفلسطينية منعطفا جديدا بعد اعتماد مجلس الأمن الدولي قراره رقم (2334) الذي تضمن مطالبة إسرائيل بوقف جميع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام (1967م) بما فيها القدس الشرقية فورا، وأن أي تغييرات على حدود عام (1967م) لن يعترف بها إلا بتوافق الطرفين، وهو ما أثار سخط إسرائيل والرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وقد صدر القرار بأغلبية (14) صوتا من أصل (15)، وامتنعت الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت، حيث أصرت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما على عدم استخدام حق النقض (فيتو) ضد القرار رغم مطالبة دونالد ترامب بذلك، وهو ما يسجل سابقة تاريخية في الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية لأول مرة منذ (36 عاما)، خصوصا مع الجهود الأمريكية الهادفة إلى خلق منطقة هادئة في الشرق الأوسط تضم دولتين ديمقراطيتين تعيشان جنبا إلى جانب في سلام ضمن حدود آمنة معترف بها.
وبعد أن شعر العرب بأن قضيتهم الأولى أصبحت طي النسيان في دهاليز الأمم المتحدة، وانشغال العالم بأسره بمحاربة الإرهاب الذي تقوده التنظيمات التي تدعي الإسلام مثل (تنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وجبهة النصرة، وحزب الله، والحشد الشعبي، وغيرها)، وسيطرة إيران التامة على القرار السيادي للعراق، وبعد وأد تطلعات الشعب السوري في إقامة نظامه التعددي الديموقراطي الحر تحت أقدام المصالح الإقليمية والدولية التي عاثت فسادا من (هولوكوست حلب) إلى عقد الصفقات السياسية في مؤتمرات جنيف والاستانة لينتهي بها المطاف إلى توزيع منطقة الهلال الخصيب بين المنتصرين، نرى التاريخ يعيد نفسه بإعادة تفاصيل ومؤشرات وأهداف مؤتمر سايكس بيكو عام (1916م) الذي هدف إلى استكمال مخطط تقسيم الوطن العربي وإضعافه حماية لأمن وكيان ووجود إسرائيل.
وتؤكد تطورات الأحداث الراهنة بأن الأيام القادمة ستشهد مفاجآت من إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، والتي يتضح بأنها تقوم على مبدأ فرض المصالح لتحقيق استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الملفات الدولية والإقليمية، فما يشهده العالم من تراجع للدور الأوروبي بعد الانسحاب البريطاني من عضوية الاتحاد الذي يؤيده الرئيس ترامب، وسياسته المختلفة تماما عمن سبقه نحو الملف النووي الإيراني، وبروز (محتمل) لإيران كقوة نووية جديدة، والعلاقات الأمريكية المتوترة مع دول الخليج العربي، وموقف الولايات المتحدة المؤيد بلا حدود لإسرائيل، وإعلان ترامب خلال حملته الانتخابية عن نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، والذي يعني عند تنفيذه إقرارا بأن (القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل) وذلك حسب قول المسؤولين الإسرائيليين، وفي هذا الأمر خطورة تفجر الأوضاع في الشرق الأوسط، والعالم الإسلامي عموما، خصوصا إذا ما وضعنا في الاعتبار المواقف الأمريكية الإيجابية تجاه القضية الفلسطينية، حيث شجعت الإدارات الأمريكية السابقة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وعملت على التوصل إلى اتفاق بشأن مستقبل المدينة. لقد تركت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما رسائل قوية عبر قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2334) الذي تم التصويت عليه في (24 ديسمبر 2016م) والذي أدان الاستيطان، وقرار (مؤتمر باريس حول السلام في الشرق الأوسط) الذي انعقد في (15 يناير 2017م)، وتضمن التشديد على حل الدولتين وفق حدود 1967 لتحقيق السلام الدائم في المنطقة، وطالب (الفلسطينيين والإسرائيليين) بعدم اتخاذ خطوات أحادية الجانب بشأن القضايا العالقة والتي من أهمها قضيتي (القدس واللاجئين).
وتتضمن رسائل الإدارة الأمريكية السابقة للإدارة الجديدة الآتي:
أولا: إنذار بعدم العبث بأسس عملية السلام في الشرق الأوسط التي ستتوقف تماما عند التصعيد واتخاذ أي خطوات مستفزة، خصوصا عند نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والذي سيترتب عليه مضاعفات سياسية عربية وإسلامية سلبية، خصوصا وأن الإدارات الأمريكية المتعاقبة رفضت تنفيذ هذا الأمر الذي جاء منذ سنوات طويلة بطلب من الحكومات الإسرائيلية ومن الكونغرس الأمريكي الذي أصدر قرارا عام (1995م) بذلك، ويقوم الرؤساء الأمريكيون بالتوقيع على مذكرات كل ستة أشهر لتأجيل عملية النقل من أجل (مصلحة الأمن القومي الأمريكي)، وقد وقع الرئيس الأمريكي السابق آخر هذه المذكرات في (نوفمبر 2016م) وينتهي مفعولها في شهر إبريل المقبل.
ثانيا: تنبيه باحتمال تخلي القيادة الفلسطينية عن قيادتها لعملية التفاوض مع إسرائيل، لتحل مكانها سياسة التطرف والعنف التي تقودها حماس، وما قد ينتج عنها من تصعيد للعمليات الإرهابية، واحتمال قيام (حزب الله) بتوجيه صواريخه من لبنان لتدمير المستوطنات الإسرائيلية بهدف تصحيح صورته السيئة بعد تدخله الميداني في سوريا للدفاع عن نظام بشار الأسد الدموي.
وإن كانت تلك الرسائل بالغة الأهمية والتأثير على مستقبل العلاقات العربية الأمريكية، إلا أنها ستبقى دون فاعلية لسبب مهم وهو أن من يملك أوراق اللعبة السياسية في منطقة الشرق الأوسط هي (إيران وتركيا وروسيا وإسرائيل)، وهي الدول التي تتحكم بتسهيل أو عرقلة أية سياسات تتوافق أو تتعارض ومصالحها المختلفة، خصوصا بعد هزيمة الولايات المتحدة في سوريا، وانتقال استراتيجيتها من (التحالف الأمريكي الخليجي) إلى (التحالف الأمريكي الإيراني)، وتخليها عن حلفائها التقليديين وخضوع سياستها للمرتكزات الأساسية التي أقرها الكونجرس للعلاقات مع الخارج وعلى وجه الخصوص مع دول مجلس التعاون، والتي يعتمد نجاحها على مدى احترام دول المجلس لمبادئ حقوق الإنسان، دون أي اعتبار للعلاقات التاريخية والاستراتيجية. وحيث إنه لا يوجد في الأفق المنظور ما يشير إلى وصول دول مجلس التعاون والدول العربية عموما إلى مرحلة التوافق على موقف موحد تجاه الإدارة الأمريكية الجديدة، فليس من المستبعد أبدا أن لا يكون هناك أي اعتبار للدول العربية في أي ترتيبات سياسية أو اقتصادية أمريكية قادمة في منطقة الشرق الأوسط، وما عليها أمام هذا الوضع المؤسف إلا القبول والرضا بأنها أصبحت خارج الملعب تماما.
] المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون