إبراهيم درويش

 لأول مرة ومنذ سنوات يخرج الإيرانيون في تظاهرات ومسيرات حاشدة ويعلنون الغضب على الولايات المتحدة في ذكرى الثورة الإسلامية، فهذه المسيرات التي رافقتها شعارات معادية للشيطان الأكبر، تراجعت في السنوات الأخيرة ولم يعد كل الذين يحملون الأعلام الأمريكية يريدون حرقها بقدر ما يعبرون عن حبهم لـ «العم سام». كل شيء تغير والشكر يعود للرئيس دونالد جي ترامب الذي بادر بإطلاق الرصاصة الأولى في معركة لم تتحد بعد معالمها وذلك عندما رد هو ومستشاره للأمن القومي مايكل فلين على اختبارات إيران لصواريخها الباليستية التي لم تكن تعبيرا عن الإصرار والتحدي فقط بل وكانت استعراضا لقوة إيران وهيمنتها بالمنطقة. وفي بادرة لإظهار التشدد فرضت الإدارة عقوبات جديدة على إيران وهي الثانية بعد تلك التي فرضتها إدارة باراك أوباما في الشهر الأخير من حكمها. وتظل العقوبات الأخيرة محدودة بعدد من الشركات والشخصيات التي ساهمت في توفير القطع والمواد اللازمة لبرنامج إيران الباليستي. ولهذا تحمل قيمة رمزية أكثر من كونها عملية.

تداعيات

ومع ذلك يحمل الموقف المتشدد من إيران ومن الاتفاق النووي المعروف بـ «الخطة المشتركة الشاملة للتحرك» الذي وقعته مجموعة 5+1 تداعيات كبيرة على الساحة الداخلية ومصير التيار الإصلاحي والانتخابات البرلمانية التي ستجري في شهر أيار (مايو) المقبل وعلى الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية وعلى مواقف الدول الأوروبية التي تجد نفسها اليوم في مرمى الهدف الأمريكي خاصة ألمانيا وفرنسا. ولا شك أن التظاهرات التي خرجت يوم الجمعة 10 شباط (فبراير) وتصريحات المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي التي شكر فيها ترامب على مواقفه لأنها كشفت عن «الوجه الأمريكي الحقيقي»، كانت استعراضا لمعسكر المتشددين الذين عادوا للطقوس القديمة في مناسبات كهذه حمل الصور الساخرة من الرئيس وحرق العلم الإسرائيلي وإطلاق الهتاف «الموت لأمريكا». وتعلق صحيفة «الغارديان» (10/2/2017) أن المشاعر هذه معروفة لكنها اكتسبت زخما بعد تصريحات خامنئي ودعوته للإيرانيين المشاركة في صلاة الجمعة والرد على تصريحات الإدارة الأمريكية التي ذكرت الإيرانيين أنها تراقبهم وفرضها للعقوبات وشملها الإيرانيين بالدول السبع الممنوعة من دخول الولايات المتحدة. ورغم النبرة الغاضبة إلا أن المتشددين حسبوا كيفية الرد واختاروا رمز التيار الإصلاحي الرئيس الإيراني نفسه حسن روحاني كي يخاطب الجماهير في ساحة الحرية (أزادي) بطهران، حيث كانت تشهد متحدثين متطرفين في مناسبات كهذه. وقال الرئيس الإيراني إن الحشود الكبيرة هي رد على تصريحات «حكام البيت الأبيض الجدد» وبعض الرموز غير المجربة بالمنطقة وأمريكا التي تهدد إيران، في إشارة لحلفاء أمريكا العرب. وقال «عليهم أن يعرفوا ان لغة التهديد لم تنجح مع إيران»، وشوهد قاسم سليماني، قائد فيلق القدس المسؤول عن العمليات الخارجية بين الحشود وتتكهن بعض التقارير أن يكون مرشح التيار المتشدد في انتخابات الرئاسة المقبلة.

المتشددون والإصلاحيون

ورغم اللهجة الأقل عدوانية ومحاولة المتظاهرين التفريق بين النظام والشعب الأمريكي إلا أن موقف ترامب وإدارته المعادية أصلا للاتفاق النووي وما تبعه من ترتيبات لتخفيف العقوبات وضعت روحاني وتياره الإصلاحي في وضع صعب. ولاحظت مجلة «إيكونوميست» (10/2/2017) أن وزير الخارجية محمد جواد ظريف، الذي قاد ولستة أشهر عملية المفاوضات مع الدول الكبرى بشأن الملف النووي لم يعد «باسما». وأضافت أن الإصلاحيين أنفسهم شعروا بالغضب وحس الخيانة حيث دعا الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي الإصلاحيين إلى الخروج والمشاركة في تظاهرة الجمعة. وترى «إيكونوميست» ان الغضب العام سيترجم في الانتخابات المقبلة، وسيجد روحاني نفسه، في حالة ترشح لولاية ثانية، في وضع صعب وهو الذي راهن على المنافع الاقتصادية من الاتفاق النووي وجلب المستثمرين إلى بلاده. فقد ساعد تخفيف العقوبات على نمو الاقتصاد بنسبة 4٪ وتوقع صندوق النقد الدولي نموا هذا العام بنسبة 6٪ إلا أن خطاب ترامب أخاف المستثمرين خاصة الشركات الكبرى التي كانت متحمسة للفرص التي يمنحها السوق الإيراني لهم. وقال مسؤول بريطاني انتقل لقطاع الأعمال «انتهى الاندفاع للبحث عن الذهب». ويقول معارضو روحاني إنه فشل بالوفاء بوعوده. ولم تتحدد معالم المعركة الانتخابية بعد حيث لم يحدد المتشددون مرشحهم بعد. وهناك فكرة لترشيح أول وزيرة وهي مرزي وحيد داستجردي لحشد الصوت النسائي لصالحهم. ويبدو أن المتشددين يميلون نحو رجل عسكري. وفي هذا السياق، يقول مصدر مقرب من خامنئي «لو رشح قاسم سليماني نفسه فسيفوز» في إشارة لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري والذي يلعب دورا في كل من العراق وسوريا. وتعتقد المجلة أن مصدر انزعاج الولايات المتحدة من إيران بدا من طريقة تعاملها مع الاختبارات الصاروخية التي رأت فيها تحديا لها وهي التي تحاول حماية حلفائها في المنطقة إسرائيل والعرب. ولكنها في النهاية تستبعد اندلاع نزاع، فالحرب في طورها الكلامي. صحيح أن جيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكي لم ينس الميليشيات الشيعية التي قتلت الأمريكيين عندما كان قائدا للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط إلا أن بلاده وكذا إيران ليست لديهما الرغبة أو القدرة على التصعيد وخوض حرب حقيقية كما يرى عدنان طبطبائي في «المونتيتور» (9/2/2017).

لن تندلع

ويعتقد أن الخطاب المشدد الصادر من واشنطن وطهران ضروري لأسباب متعددة. فطهران تريد الظهور بمظهر القوي والمتحدي أما واشنطن فراغبة بإرسال رسالة للأمريكيين والدول الحليفة ان عصر أوباما قد انتهى. وبهذه المثابة انتهى التقارب مع إيران مما يطمئن العرب وإسرائيل. وبعيدا عن التصعيد الكلامي فإن إدارة ترامب التي تعهدت بتمزيق الاتفاق النووي لم تتجرأ بعد على المس به لمعرفتها أنه قرار دولي ويحظى بشرعية من مجلس الأمن ولأن الاختبارات الصاروخية ليست جزءا من الاتفاق، حيث قامت طهران ومنذ بداية تطبيقه بسلسلة من الاختبارات الصاروخية. بالإضافة إلى أن الدول الكبرى التي ساهمت في المفاوضات ليست لديها الرغبة في تضمين بند جديد يتعلق بالصواريخ الباليستية. ومن هنا لجأت واشنطن إلى عقوبات من طرف واحد في 3 شباط (فبراير) الحالي ذات طابع رمزي. وبالمقابل فليس لدى إيران أي دافع للتصعيد وتغيير الوضع القائم لأنها تتعامل مع الاتفاق باعتباره ترتيبا دوليا لا أمريكيا يقدم لها المنافع الاقتصادية وإن بقيت محدودة وينفعها في الحسابات الأمنية. واستفادت إيران من العلاقة مع الاتحاد الأوروبي أحد الموقعين على الاتفاق حيث تم رفع الحظر عن تصدير النفط ووقعت عقودا في مجال الملاحة الجوية والأدوية. ومن هنا فالتصعيد وإن لم يكن مريحا في ضوء ما تواجهه المنطقة من مشاكل يشير لمحدودية قدرة الولايات المتحدة على تغيير إيران واحتوائها. وفي ضوء تجربتها في أفغانستان والعراق فمن غير المحتمل ان تشن واشنطن حربا شاملة ضد الجمهورية الإسلامية وربما حاولت عبر طرف ثالث ضرب إيران كما فعلت مع صدام حسين في ثمانينات القرن الماضي. والطرف المرشح هي السعودية التي قد تقوم بالمهمة، إلا أن لا رغبة للرياض بمواجهة شاملة مع طهران لأنها تعاني من تداعيات تدخلها في اليمن. وفي الوقت نفسه طالما هددت إسرائيل بضرب المنشآت النووية الإيرانية ولم تفعل بسبب منظور النجاح الفقير. وأي هجوم إسرائيلي سيتبعه رد انتقامي من حزب الله. وفي ضوء التزام إيران بالاتفاق النووي وحث دول الخليج الإدارة الأمريكية على عدم إلغاء الاتفاق النووي ومحدودية نظام العقوبات يظل التصعيد بين البلدين موجها لخدمة سياسات محلية وليس تحضيرا لحرب قادمة.
الحرب على الإرهاب

وربما انجر ترامب إلى حرب شاملة، خاصة أن أول قرار له بعد توليه السلطة التوقيع على عملية لاستهداف معسكر للقاعدة في اليمن فشلت فشلا ذريعا. وينحو باترك كوكبيرن في «إندبندنت» (10/2/2017) إلى هذا الرأي ولكنه يرى أن الحرب لن تحدث اليوم بل بعد عام أو عامين. ويظل السيناريو محلا للجدل في ضوء تأكيد الإدارة على محاربة الإرهاب وسحق تنظيم «الدولة». وتعتبر إيران رغم الموقف الأمريكي المتشدد منها لاعبا في الحرب على الجهاديين. ومن هنا يعلق ديفيد إغناطيوس في «واشنطن بوست» (9/2/2017) أن الجمهورية الإسلامية تعتبر حليفا فعليا للولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم «الدولة». وفي حالة وجهت الميليشيات المدعومة من طهران بنادقها للأمريكيين فستتعقد الحرب ضد الجهاديين. ولاحظ ان استراتيجية ترامب غير واضحة ويجب ان تتعامل مع لاعبين كثر خاصة المحور الجديد ـ روسيا وتركيا وإيران. ومن هنا يبدو التصعيد وحزمة المساعدات مجرد تأكيد على عداء الإدارة المليئة بالأيديولوجيين والمتشددين لإيران، والسؤال هل ستنجر أوروبا وراء نزعاتها؟ يرى كوريولوس أديبار من مع معد كارنيجي (31/1/2017) أن هناك عددا من الطرق والحلول المتعددة في مجال السياسة المتعلقة بإيران. ويشير هنا للقوى التي ستعلب دورا في تشكيل السياسة داخل السياسة الأمريكية-البيت الأبيض والخارجية والمخابرات والدفاع-.

خيارات

وناقش الكاتب أربعة سيناريوهات وكشف عن محدودية كل منها وهي: قتل الاتفاق جملة وتفصيلا، والبحث عن اتفاق جديد، ومحاولة تطبيق الاتفاق القائم وبطريقة صارمة أو القبول بالاتفاق في حالة أعطى الشركات الأمريكية الحصة المناسبة لها. ومن فالرد الأوروبي يجب أن يكون جاهزا بناء على الطريقة التي تتكشف فيها الخيارات الأربعة التي قد تتخذها الإدارة. ويرى أن الاتحاد الأوروبي باعتباره من رعاة الاتفاق عليه التحضير لسيناريو خامس وأكثر قوة. ويقول إن نقاط الخلاف الأمريكي- الأوروبي لا تتركز على إيران فقط بل هناك الموقف من حلف الناتو والهجرة من الشرق الأوسط ومحاولات روسيا التأثير على أوروبا وقضايا المناخ وتداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويقول إن أوروبا لديها عددا من الأدوات للحفاظ على الاتفاق النووي منها العمل الصين وروسيا في هذه النقطة. وكذا العمل مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس ودعوة كل الأطراف المشاركة للتأكيد على الطبيعة الدولية المتعددة للاتفاق. وعلى الاتحاد تعزيز جهوده للدفاع عنه.