عبدالله الجنيد

مسارات الجولات الخليجية لكل من الرئيسين إردوغان وروحاني توافقت توقيتا رغم اختلاف الملفات، إلا أن القاسم المشترك بينهما هو المحاولة الأخيرة لإنقاذ أستانة، والقاسم الآخر غياب الإمارات العربية المتحدة عن جدول كليهما. فكلاهما يعي أن أستانة دخلت اليوم غرفة الإنعاش وأن منصات الملف السوري سوف تتراجع من حيث المكانة بعد تأكيد إدارة ترمب نيتها إقامة مناطق آمنة في سوريا مع شركاء هما السعودية والإمارات.

فبمراجعة حضور مفردة «الاستقرار» في معجم خطاب الرئيس إردوغان وعن الحاجة لتضطلع المملكة بدور أكبر مع تركيا في ذلك الشأن تعد تطورا ملحوظا إلا أن الاتفاق على المرجعية والآليات في الملف السوري ما زالت مبهمة نسبيا بالرغم من تصنيف المملكة العربية السعودية لحزب العمال الكردستاني «منظمة إرهابية». فهل الرئيس إردوغان مستعد للتفاوض متخليا عن مرجعية أستانة في مقابل تمثيل كامل للمنصة التركية في جنيف 4 بالإضافة لمقترحها الخاص بالمنطقة الآمنة. كذلك لم يكن بمستغرب حضور الملف الليبي في القمة السعودية التركية، فتركيا تدرك أن حجم التحولات في ذلك الملف منذ دخول ترمب للبيت الأبيض بالإضافة للمتغيرات في موازين القوى على الأرض لصالح البرلمان الشرعي في مقابل مجلس السراج الرئاسي. فرحيل المبعوث الأممي مارتن كوبلر هو الآن أهم دلالات تلك التحولات في الملف الليبي، هذا بالإضافة لتراجع دور أطراف داعمة لحكومة السراج مما يعني تراجعا لحجم دور الإخوان في المعادلة السياسية الليبية، ودورا أكبر لمصر في ذلك الملف. وجملة ذلك تتعارض والطموح التركي في المتوسط وشمال أفريقيا.

على الجانب الآخر تأتي جولة الرئيس روحاني لسلطنة عمان والكويت بمثابة «احتواء الأضرار Damage Control» الناتجة عن سياساتها العدائية والمحبطة لكل جهود إعادة الاستقرار للمنطقة.
فالقيادة الإيرانية ترى في انضمام سلطنة عمان للتحالف الإسلامي في محاربة الإرهاب دلالة على تراجع دورها القيادي إقليميا خصوصا بعد الإعلان عن زيارة مرتقبة للعاهل السعودي لعمان نهاية فبراير الجاري. فإيران ترى في عمان الشريك الخليجي الأكثر استقلالية في مواقفه السياسية ولأهمية عمان في استراتيجيتها في بحر العرب والمحيط الهندي خصوصا بعد تيقنها خسارتها لموقعها في اليمن.

فالعمليات العسكرية تتجه إلى حسم الموقف السياسي وبشكل نهائي لغير صالح حليفها الحوثي. أما الكويت فإنها زيارة تتجاوز البروتوكولية. فإيران تطمح بأن تلعب دور الوساطة في الخلاف الكويتي العراقي حول خور عبدالله المفتعل أساسا من قيادة سياسية هي الأقرب لإيران في تاريخ العلاقات الإيرانية العراقية. وفي حال «نجاحها» سيفرضها قوة إقليمية ذات حضور إيجابي في الملفات الخليجية العربية المباشرة. إلا أن ذلك في حقيقة الأمر تحد مباشر للدور القيادي الطبيعي للمملكة العربية السعودية في مثل هذه الملفات. أما ثانيا، فإن ذلك سيكون بمثابة ملف «علاقات عامة» بإثبات قدرتها على لعب دور صانع السلام خصوصا بعد إعلان الرئيس ترمب نية إدارته عن تحول جذري في موقفها من العراق وسوريا وارتكاز تلك السياسات على الحليفين السعودي والإماراتي.

من هنا تتضح القواسم المشتركة في جولتي الرئيسين، ومحورية الموقف السعودي في كل الملفات المشتركة، وما مثله غياب الإمارات العربية المتحدة من تلكم الجولتين. فالدبلوماسية الإماراتية الفاعلة تأتي متطابقة تماما والموقف القيادي للسعودية، ومنسجمة استراتيجيا في ملفات أخرى من حيث السياسات الفاعلة في ملفات عربية وأخرى أفريقية، بالإضافة لإقليمية آسيوية. فالإمارات تمثل رأس الحربة في صياغة وضع جيوسياسي شرق أوسطي بضفتيه الآسيوية الخليجية (الهند) والخليجية الأفريقية (القرن الأفريقي) في بحر العرب. فالنجاحات الإماراتية في هذين الملفين الاستراتيجيين قابلة للبناء عليهما خليجيا، وخليجيا من حيث الاحتواء شرقا والتموضع غربا.

فالتطابق السعودي الإماراتي هو العمود الفقري في فرض الاستقرار في محيطهما الإقليمي والعربي، وهو في نفس الوقت المنغص الأول للطموح التوسعي الإيراني. أما تركيا الطامحة لقيادة العالم الإسلامي «السني» فإنها باتت على قناعة بأن لا وجود لتوظيف طائفي في القاموس السياسي السعودي، وهي القائمة على خدمة جميع المسلمين. ودخول أستانة لغرفة الإنعاش هو أحد نجاحات هذه الكتلة الفاعلة في إدارة الملفات الحرجة بكفاءة تجاوزت كل التحديات ومحاولات الاحتواء.

[email protected]