السيد أمين شلبي

عقب انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية ساد دوائر مصرية سياسية وإعلامية نوع من الارتياح والترحيب بالرئيس الجديد، باعتبار أن هيلاري كلينتون ستكون امتداداً لإدارة أوباما التي كانت علاقاتها «باردة» مع مصر بعد 30 حزيران (يونيو) 2013. بل قيل إن الكيمياء لم تكن متوافقة بين الرئيسين أوباما والسيسي.

والواقع أن فحص علاقات إدارة أوباما تجاه مصر، وتحديداً بعد إطاحة نظام الإخوان في 3 تموز (يوليو) 2013، يظهر أنها كانت مرحلة مضطربة جرى خلالها وقف الإمدادات العسكرية لمصر، لكنها لم تدم إلا شهوراً عدة أعقبها اتجاه واشنطن إلى إعادة تقييم علاقاتها بالنظام الجديد وكان هذا بفعل عدد من العوامل: ما بدا أن النظام يحظى بالشعبية، والدعم السياسي والاقتصادي والديبلوماسي الذي قدَّمته دول الخليج وبخاصة السعودية، واتجاه مصر للبحث عن بدائل خصوصاً عند موسكو، ثم ما تتعرض له مصر من عمليات إرهابية في سيناء ظهر أنها ترتبط بأعمال الإرهاب ومنظماته في المنطقة.

وقد أدت إعادة التقييم تلك إلى رفع الحظر على السلاح بتقديم نظم تسلح متقدمة: مقاتلات F16 وطائرات أباتشي ودبابات MI وغيرها. وقد شملت عملية إعادة التقييم الموقف من حكم جماعة الإخوان، حيث اعتبر أوباما أن «محمد مرسي انتخب ديموقراطياً، ولكنه لم يحكم ديموقراطياً»، وما استخلصته هيلاري كلينتون كوزيرة للخاجرية وعبَّرت عنه في مذكراتها: «بعد تولي الإخوان السلطة لم يحكموا بشكل يشمل كل القوى السياسية». 

تلى ذلك تدفق زيارات قيادات عسكرية وأمنية أميركية للقاهرة وشملت رئيس الأركان، وقائد القيادة المركزية، ومدير الاستخبارات العسكرية، وقادة أسلحة الجيش الأميركي الثلاثة، البرية والبحرية والجوية، كما شمل هذا زيارات لوفود من الكونغرس الأميركي ولجانه المهمة، انتهت بإقرار الكونغرس المساعدات العسكرية لمصر لعام 2016 – 2017، وقد استمر هذه الاتجاه الإيجابي في العلاقات حتى الشهور الأخيرة لإدارة أوباما، فقد أيَّدت واشنطن مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض، بل ساعدت عليه مع دول أخرى، كما رحبت ببرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري.

وهكذا غادرت إدارة أوباما والعلاقات مع مصر مستقرة، ومستويات المساعدات العسكرية والاقتصادية، متعددة، مع تشاور منتظم حول الأوضاع الأمنية في المنطقة وسبل مكافحة الإرهاب.

هذا هو الميراث الذي ستجده إدارة ترامب في العلاقات مع مصر وستحافظ عليه، فهي تضع محاربة الإرهاب على رأس أولوياتها، وتتوقع من مصر، أن تشارك في ذلك بشكل أوسع. غير أن هذا التوقع سيصطدم بمبدأ مصر المتمثل في عدم المشاركة بقوات في مناطق الصراعات. 

كما سيتوقع ترامب أن تشارك مصر، مع السعودية والأردن، في إطلاق المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وهو ما نتصور أن مصر مستعدة له بقنواتها المفتوحة والمتطورة مع إسرائيل، إلا أنها ترى أن موقف ترامب تجاه مبدأ حل الدولتين، والمستوطنات والقدس، لن يساعد على إطلاق هذه المفاوضات فضلاً عن التوصل إلى تسوية متوازنة.

أما التوقع الثالث من مصر، فهو أن تنضم إلى تحالف عربي إقليمي لمواجهه إيران. وعلى رغم أن مصر تعترض على سلوك ايران في المنطقة، فإن حساباتها الخاصة لن تشجع على الانضمام إلى مثل هذا التحالف. وإذا كان مناخ العلاقات المصرية - الأميركية قد تحسن بمجيء ترامب، فإن سلاسة مسارها لا تزال تكتنفها صعوبات، على عكس ما يتصور المتفائلون.


* سفير مصري سابق